29 أكتوبر نجح…

أحل يتيم، الرجل القوي في العدالة و التنمية و ذراعها النقابي، القمار لأن ابنه يمارسه في كازينوهات مراكش. هذا مع العلم و لو افترضنا جدلا أن القمار حلال، فهل الجلوس في مكان به خمر و مجون حلال أيضا؟ أم ابن يتيم بفضل تربية أبيه الصالحة قادر على أن يطهر الكازينو من كل الموبيقات و الشرور و الآثام التي تحصل فيه بالدعاء و البركة أثناء الدخول إليه؟
ما كنت لأهتم برد فعل يتيم اتجاه ابنه ، و إن كان يتيم و كقيادي في حزب ذو توجه إسلامي إذا لم يستطع أن يقنع أو ربما حتى لم يحاول أن يقنع فلذة كبده بما يروجه من خطاب ديني، فمن حقنا أن نتساءل فيما إذا كان الخطاب الديني عند يتيم منتوج موجه فقط لسوق المهمشين و البسطاء المتواجدين في الأحياء الهامشية و الفقيرة؟
كل هذا، ما كنت لأهتم به، لأنه في النهاية يتيم يمارس السياسة ، و ككل سياسي يبحث عن خطاب يروج له ليحظى بشعبية الجماهير. و لكن ما أقلقني فعلا هو خبر إقالة يتيم للكاتب العام للجامعة الوطنية لقطاع الصحة لأنه شارك في إضراب 29 أكتوبر. و خاصة أنني كنت قد قرأت قبلها خبر إقالة كاتب عام وزارة الخلفي لأنه حمل شارة يؤيد فيها الإضراب.
هذين الخبرين جعلني أفكر في مستقبل الديمقراطية التشاركية و حرية التعبير و الاختلاف ببلدي الحبيب. و جعلني أتساءل فيما إذا كان حزب العدالة و التنمية في تركيبته يشبه الأحزاب الدكتاتورية التي تؤمن بطاعة الزعيم و تنفيذ الأوامر و الانضباط لقرارات الحزب كيفما كانت.
و لو كانت الاحزاب و النقابات التي دعت إلى الإضراب تشبه حزب العدالة و التنمية بتركيبته، فكان عليها أن تطرد من صفوفها كل من لم يشارك ولم يدعم إضراب 29 اكتوبر. و لكن يبدو أن أحزاب المعارضة بكل سلبياتها و ضجيجها ما زالت تحترم إرادة مناضليها و ما زالت تؤمن بالاختلاف و التعددية كبنية مجتمعية لا بد أن تطفو و تظهر في الحزب كانعكاس للمجتمع.
تذكرت مواقف الحكومة السابقة. كانت تبدو لي عادية جدا. أما اليوم أصبحت أنظر إليها بإعجاب و احترام كبيرين. تذكرت كيف أن الذراع النقابي لحزب الاستقلال اصطف مع المعارضة ضد مشروع قانون مدونة السير الذي كان الاستقلالي كريم غلاب من أبرز مهندسيه. النقابات وقتها شلت حركة العاصمة الرباط فيما يخص قطاع النقل.
رئيس الحكومة السابق عباس الفاسي، كان بإمكانه أن يؤثر على نقابته و أن يقنعها و يغريها بألا تشارك في الإضراب و أن تدعم برنامج وزيرهم الاستقلالي، و لكن عباس الفاسي كرجل دولة و كسياسي ملتزم و كديمقراطي المنهج فضل أن تدفع الحكومة الثمن و أن يواجه الغضب الشعبي و احتقان أرباب النقل على أن يغير مسار و أهداف نقابته. فالنقابة نقابة و دورها هو مراقبة العمل الحكومي، أما نقابة المعارضة و نقابة الحكومة فإنها تقليعة جديدة و مهزلة من مهازل العمل السياسي.
رئيس الحكومة السابق كان يتعرض لهجوم إعلامي شرس من طرف الإعلام و من أحزاب المعارضة. كثير من المناضلين الاستقلاليين كانوا يطلبون من عباس الفاسي السماح لهم بالرد أو أن يتكفل الحزب بحق الرد، و لكنه كان يجيب بصوت هادئ بأنه لا يقرأ إلا جريدة العلم. من الغباء أن نعتقد بأن عباس الفاسي في ذلك الوقت لم يكن يستطيع أن يشتري جيشا من الأقلام المأجورة و لكنه كان يؤمن بأنه كرئيس حكومة لا بد أن يمنح للصحافة هامشا من حرية التعبير و أن من واجبه أن يضمن لها دورها في نقد أداء العمل الحكومي و أن من مسؤوليته ألا يميع الإعلام و العمل السياسي. فانطلاقا من موقعه كرئيس للحكومة، عليه أن يسمع صوت المعارضة وصوت الحكومة و صوت الإعلام و جوابه لن يكون مقنعا إلا عن طريق العمل الدءوب. فالعمل السياسي الجاد ليس تجييشا و ليس أبواقا و ليس تطبيلا أو تهليلا و لكنه التزام في المواقف و شمولية في الرؤيا بعيدا عن منطق الإقصاء و الحسابات الضيقة.
و لكن طريقة تعاطي الحكومة و خاصة حزب العدالة و التنمية لإضراب 29 أكتوبر يظهر جليا أنها لم تعتبره حدثا سياسيا و لكنها اعتبرته تصفية حسابات شخصية و به وجب أن تنتقم من كل من شارك في الإضراب أو دعمه. فانطلاقا من حرب الأرقام لتقزيم حجم النقابات و قدرتها على تعبئة الجماهير، تبعا بحرب التعليقات و تجييش الكائنات الإلكترونية للهجوم على كل من دعى للإضراب و تسفيهه، و نهاية بطرد كل من شارك في الإضراب من داخل رحمها.
من هذا المنطلق فإن إضراب 29 أكتوبر نجح في إظهار حزب العدالة و التنمية كتنظيم يمارس القمع على مناضليه و كتنظيم يريد أن يخرس صوت كل من يعارضه و كتنظيم لا يستمد قوته من انضباط مناضليه و لكن من بطش الحزب بمناضليه.

أمل مسعود


شارك بتعليقك

شاهد أيضا
اشتراك في القائمة البريدية
   

إشترك بالقائمة البريدية لكواليس اليوم لتتوصل بكل الجديد عبر البريد الإلكتروني