06 نونبر 2021 أو خطاب ديبلوماسية الحزم و الحسم

جاء خطاب المسيرة الخضراء لسنة 2021 في سياق جيو سياسي  خاص و متميز لعدة اعتبارات داخلية و خارجية.فداخليا،أتى هذا الخطاب في ظل تصاعد الوعي و الإجماع و الإلتفاف الشعبي حول التطورات الإيجابية التي  عرفها ملف الوحدة الترابية، مع إعلان الولايات المتحدة إصطفافها مع مغربية الصحراء، غداة توقيع ما يعرف باتفاقات أبراهام الثلاثية المغربية -الأمريكية-الأسرائيلية في 20 دجنبر 2020.
خارجيا،  جاء في خضم التفاعلات التي تلت تبني القرار الاممي رقم 2602,و الذي بدت عليه ٱثار  لمسة ماكينة ديبلوماسية اللوبيينغ الأمريكية بالأروقة الأممية بنيويورك،حيث شكل خلو ديباجته لأول مرة من أية إحالة إلى مفردات كتصفية الاستعمار و تقرير المصير و الاستفتاء سابقة في تاريخ التوصيف القانوني لمجلس الأمن للملف، بل و حمل في طياته شرعنة مبطنة لعمليات تأمين ممر الكركرات، التي باشرها الجيش النظامي المغربي في 13 نونبر 2020,بحيث عبر القرار عن إنشغاله باعلانات تعليق الالتزام بوقف اطلاق النار و تهديد السلم الإقليمي،في إشارة إلى ممارسات عصابات البوليساريو في المنطقة. العازلة  ما بين شتنبر و نونبر 2020.لكل هذه الإعتبارات، كان طبيعيا أن يكون هذا الخطاب استثناء و متفردا شكلا و مضمونا و خطابا و لغة .فما هي أهم رسائله و توجهاته ؟
خطاب بروح ديبلوماسية “الحق في التدخل” تحت الفصل السابع الأمني :
ان لغة خطاب المسيرة الخضراء، التي وجدت نفسها معززة بمضمون القرار الأممي رقم 2602 يمكن اعتبارها انخراطا عمليا مع تيار الواقعية في العلاقات الدولية،التي تقوم على مبادئ من بينها”القوة أولا،القانون فيما بعد”،بحيث أن حزم المغرب مع أزمة الكركرات من خلال اللجوء للقوة العسكرية لتأمينه و ما تلاها من شرعنة أممية لهذا الإجراء في منطوق القرار و قبل ذلك من خلال الصمت المزكي، و إن كانت العملية جرت دون عمليات عسكرية و لا احتكاكات مع العصابات التي حاولت تهديد أمن المعبر.يبقى الأهم في الحادث أنه على صعيد حفظ السلم و الامن الإقليمي، فقد عبرت ديباجة القرار حرفيا عن “قلقها العميق لما عاينته من  إعلان تعليق أحادي الجانب لوقف إطلاق النار”،و بالتالي،فإن أية  قراءة سياسية لهكذا موقف من توتر خطير بالكركرات، نتجت عنه تحركات عسكرية و ميدانية منضبطة للجيش النظامي المغربي لم يأتي على إدانتها متن القرار الأممي الذي يقع في خمس صفحات كما تمنت الجزائر، لا يمكن لها أن تدعي الحصافة و العمق السياسي،بعيدا عن استحضار ما ينطوي عليه من حكم إدانة في صيغة الانشغال-حفظا لماء وجه الممتنعين عن التصويت- للعربدة المنفلتة  لعصابات و ميليشيات البوليزاريو،التي أقدمت على الإرباك المسلح للعبور بالممر الدولي للكركرات. وهكذا، و على عكس تصرفات ميليشيات البوليزاريو، فقد جاء التحرك المغربي على شاكلة ما بات يعرف في أبجديات التدخلات الأممية العسكرية كالتي تمت في الحالة الليبية سنة 2011، “الحق في التدخلdroit d’ingérence أو واجب التدخلdevoir d’ingérence”،و التي دبجت أنذاك في القرار بعبارة”يجب على الدول الأعضاء استعمال كل الوسائل المتاحة لحماية المدنيين”. و في حالة الكركرات،  قام المغرب فعلا و طبقا لنفس المبدأ، بتحريك وحداته العسكرية لتأمين الممر و حماية المدنيين(سائقي و مهنيي النقل الدولي البري المغاربة و الأفارقة)، ليجد أن الميليشيات المهددة للمدنيين انسحبت و تلقت أوامر بإعادة الإنتشار  لما وراء المنطقة العازلة،فيما تكفل الوكيل بثكنات بشار بإعداد مسرحية علاقات عامة  لقيادة المجموعة لإعلان إعلامي عن تعليق وقف إطلاق النار!
رسائل مشفرة للمستثمر الإقليمي في الأزمة :
لقد تبنى الخطاب السياسي للمسيرة الخضراء  ديبلوماسية التجاوزdiplomatie de dépassement لتواصل الأزمة و الحروب النفسية التنفيسية التي لاتزال تميز  لغة النظام السياسي-العسكري باستعمال توصيف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.و هكذا لم يأتي الخطاب ولو على مجرد ايحاء لخطاب جوابي discours de revancheعلى كل الخطوات التصعيدية العديمة الجدوى التي أعلن عنها النظام الحاكم بالجزائر.
رسائل اندماجية للاقليم الشمال افريقي :
على عكس الصمت السياسي تجاه النظام الجزائري ،لم يغفل الخطاب التذكير بأهمية التعاون الإقليمي و عن الإرادة الإندماجية للدولة المغربية مع محيطها الإقليمي القريب، أي منطقة شمال افريقيا، حيث أكد على موقف المغرب الثابت و الراسخ، بأن المصير المشترك و التاريخ يجمع هذه البلدان، و أنه لا سبيل لنهضة شعوبها، إلا في الاندماج و التكتل السياسي و الاقتصادي و التعاون البناء.
رسائل الحسم و الحزم لشمال المتوسط :
في سابقة من نوعها، خرج خطاب الملك للمسيرة الخضراء عن الأطر التقليدية للحوار السياسي شمال-جنوب و الحوار الأورو- متوسطي لمسلسل برشلونة و ما تلاه كخطة العمل لسنة 1996 و اتفاقيات الشراكة المتتالية.هذا الحوار و ما تمخض عنه من بروتوكولات تعاون  العشرية الأولى للألفية الثالثة تميزت بنوع من التركيز على المصالح الحساسة للقارة العجوز، مع تجنب الخوض في الملفات الحساسة التي  قد تزعج هذا التعاون الذي لطالما سماه الأوربيون تعاون”ضفتين و مصير مشترك”.
مع كل المياه التي جرت طوال سنتي 2020 و 2021 تحت جسر  ملف الصحراء، و لعل أخرها قرار قضائي لمحكمة العدل الأوروبية يقضي بالغاء اتفاقية التعاون الفلاحي بين الاتحاد الاوروبي و المغرب و استقبال بلد أوروبي لأحد قيادات مجموعة البوليزاريو بهوية مشبوهة، و الذي كان موضوع شكاية بارتكاب جرائم حرب، كل هذه  العوامل،عجلت بجنوح الديبلوماسية المغربية نحو فرض قواعد لعبة جديدة للعلاقات المغربية-الأوروبية، ستكون إشاراتيها الخافتتين الحادث الديبلوماسي مع ألمانيا و خفض مستوى التعامل معها و مع إسبانيا، ليأتي غموض الموقف الأوروبي تجاه مشروع قرار أمريكي في الأمم المتحدة في أبريل 2021 حول الصحراء و قرار قضاء بروكسيل ليطلقا رصاصة الرحمة على نسق التعامل التقليدي مع ما يحلو للديبلوماسية الأوروبية  أن تسميه عامل الإستقرار بالمنطقةle facteur de stabilité، الذي هو المغرب,فيما جاءت الدكرى 46 للمسيرة الخضراء لتعلن رسميا  و بدون مواربة دخول الديبلوماسية المغربية من جانب واحد في براديكم جديد للتعامل مع دول الإتحاد الأوروبي، قوامه ضرورة فهم ورثة مؤسسة بيرنار شومان أن المغرب لم يعد معنيا و لا مهتما بأية شراكة أو تعاون لا يدمج مفاهيم الشمولية و شرطية وضوح موقف الشريك من قضية الوحدة الترابية للمغرب مع أي تعاون أو شراكة سياسية أو اقتصادية أو أمنية أو ثقافية مستقبلية مع المغرب.
ختاما،يبقى المؤكد على المستوى الدولي و الإستراتيجي لملف الصحراء  أن القرار الأممي 2602 يبقى مؤشرا قويا على بداية تحرك و تململ في خريطة الصراع بمجلس الامن الدولي، و ذلك في اتجاه مزيد من التعامل البرغماتي و الجدي مع الطرح المغربي لطي صفحة هذه الأزمة، و الذي ينبني على عرض الحكم الذاتي كسقف تفاوضي،لما لاستمرار الأزمة من مخاطر و تهديد للأمن و السلم الإقليمي بمنطقة الساحل و الصحراء.
قاريا، يبقى خطاب المسيرة الخضراء الأخير إيذانا بدخول  الديبلوماسية المغربية في مرحلة جديدة عنوانها الحسم و بداية تنزيل تحدي ممارسة المغرب لدور الزعامة القارية في الحوار متعدد الأطراف للقارة الإفريقية، في إطار ترصيد مكتسبات ديبلوماسية التأثير Diplomatie d’influenceو المصالح المشتركة للمغرب و شركاءه الأفارقة و الدوليين الكبار، و على رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية.
بقلم أنوار مزروب:باحث في القانون الدولي بجامعة محمد الخامس بالرباط.


تعليقات الزوار
  1. @Nasser

    On peut reprocher beaucoup de choses au régime algérien, sur le plan de la politique intérieure, force est de reconnaître qu’ en ce qui concerne le maroc il a fait montre de clairvoyance. Au moment où le sultan tendait la main dans ses discours, se tramait la conspiration avec l’entité sioniste. Personne ne comprenait que l’Algérie ne réponde pas à cet appel. C’était oublier que celui qui a trahit trahira encore. Et toujours. Nous n’avons aucun avenir commun. Nous n’avons pas d’avenir avec une colonie israélienne.

شارك بتعليقك

شاهد أيضا
اشتراك في القائمة البريدية
   

إشترك بالقائمة البريدية لكواليس اليوم لتتوصل بكل الجديد عبر البريد الإلكتروني