نحو عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي…

القمة الإفريقية السادسة و العشرون: عاجزون عن السلم، عاجزون عن التسوية.
زكرياء لعروسي
طالب باحث بسلك الدكتوراه في القانون الدولي العام و العلوم السياسية
أفلت شمس نهاية الأسبوع المنصرم على قمة رؤساء الدول و الحكومات الأعضاء في الاتحاد الإفريقي في دورتها السادسة و العشرون، و التي انعقدت بأديس أبابا الإثيوبية ( التي تعاني من موجة جفاف لأكثر من 30 سنة نسأل الله السلامة و العافية وتخفيف ما نزل) يومي 30 و 31 يناير 2016، و التي وصفت بالدورة العقيمة و العجز عن معالجة مختلف التهديدات الجادة التي تواجه مستقبل القارة السمراء، اللهم تضمين البيان الختامي لبعض المبادئ العالمية التي تدعوا إلى حفظ السلم و الأمن الدوليين و مكافحة الإرهاب بكل أشكاله، و تفاخر رئيسة مفوضية الاتحاد الأفريقي بنجاح المساهمة في الحد من وباء إيبولا، و الحث على مكافحة تفشي الأمراض.
و قد عرفت القمة مشاركة 36 رئيس دولة و 4 رؤساء حكومات إفريقية، إلى جانب الأمين العام للأمم المتحدة، “بان كي مون”، والأمين العام لجامعة الدول العربية “نبيل العربي”، والرئيس الفلسطيني، “محمود عباس”، ورئيس الإكوادور “رفائيل كوريا”، والرئيس الصربي “توميسلاف نيكوليتش”، ورئيس وزراء السويد “ستيفان لوفين”، ورئيسة مفوضية الاتحاد الأفريقي، دلاميني زوما، و وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، و الوزيرة المنتدبة لدى وزير الشؤون الخارجية و التعاون “امباركة بوعيدة” عن المملكة المغربية.
لقد شكلت سياسة الكرسي الفارغ للمملكة المغربية فرصة تتكرر (منذ 1984) لمحور الشر للنيل من عدالة وحدتنا الترابية، بين من ينمو عداؤه التاريخي للمغرب و من يسترزق بالقضية تقربا بأعدائه، و من تتقاذفه رياح التفاعلات الدولية بين مد و جزر، بخطاب ظاهره فيه دفاع عن المستضعفين و باطنه ثمار يجنيها من الراعي الرسمي لمخيمات تندوف، و في ذلك فليتنافس المتنافسون (ولن نعود للتفصيل في هذه المواقف نظرا لتشابهها و تكرار مضامينها في كل المحطات).
– فشل رهان القمة
فشلت القمة في الاتفاق على إرسال قوات إلى بروندي و التي تشهد أزمة دامية في ظل تردد العديد من قادة الدول الأفريقية، و التي كان من المرتقب أن تضم خمسة ألاف عنصر لإرساء الاستقرار، بعدما وافق الاتحاد على إرسالها في دجنبر المنصرم، مع الاكتفاء بإرسال وفد رفيع المستوى للتباحث مع الحكومة البروندية خوفا من أن يتحول القرار إلى سابقة سياسية عن طريق إرسال قوات إلى بلد من بلدان الاتحاد دون موافقته.

– الحضور المغربي في إفريقيا
بالرجوع إلى الحضور المغربي في القارة السمراء يجب التأكيد على انتماء المغرب جغرافيا و تاريخيا و حضاريا إلى أفريقيا، التي تشكل له الفضاء الطبيعي و الامتداد الإستراتيجي، إذ كلما يثار موضوع الامتداد الافريقي نتذكر تشبيه الملك الراحل الحسن الثاني للمغرب بشجرة جذورها في إفريقيا و أوراقها تتنفس في أوروبا كتأكيد على الرغبة الدائمة في التفاعل مع قضايا القارة السمراء، كما يتجسد ذلك في التنصيص الدستوري على التشبث بالروافد الإفريقية، وتقوية علاقات التعاون و التضامن مع البلدان الإفريقية، ولاسيما بلدان الساحل و جنوب الصحراء.
فرغم تمكن الدبلوماسية المغربية الرسمية و الغير الرسمية من التواجد المستمر في عمق القضايا الإفريقية و حشد دعم العديد من الدول بسبل متفرقة، إلا أن تواصلها مع الدول الانجلوفونية بزعامة جنوب أفريقيا و نيجيريا لا زال يتسم بنوع من الغموض و الضبابية، فأي محاولة من المغرب لحفظ مصالحه في إفريقيا لن تكون بمعزل عن هذه الدول، إضافة إلى أن القطيعة الدبلوماسية لا تخدم مصالح الطرفين، فجنوب أفريقيا التي تتوفر على قوة اقتصادية محترمة جدا، و انضمامها إلى دول ال”بريكس” إضافة إلى قوتها العسكرية، يجعل منها فاعلا أسياسيا داخل المنطقة.
كما يذكر أن تاريخ العلاقات المغربية الجنوب أفريقية مر بمراحل متعددة، أهمها العلاقات الجيدة التي جمعت الملكين الراحلين محمد الخامس و الحسن الثاني طيب الله تراهما مع الراحل نيلسون مانديلا و تقديم المغرب لمساعدات مالية و لوجستيكية لمانديلا، ليتم فتح سفارة في جنوب إفريقيا سنة 1994 بعد انهيار نظام “الأبارتايد” قبل أن تتدهور العلاقة بين البلدين لينتج عن ذلك اعترافها بالكيان المزعوم سنة 2004، ليرد المغرب بسحب سفيره و تجميد العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
إن السبيل الوحيد لانتعاش العلاقات المغربية الجنوب أفريقية هو تطوير العلاقات الاقتصادية بين البلدين، إذ أن الصراع السياسي القائم لا يخدم مستقبل الدولتين، و إن لم يكن من المنافسة بد فيجب أن تتحول إلى منافسة اقتصادية، يكون فيها الخصم حليفا، و يغلب عليها طابع المصلحة المشتركة، و لن يتأتى ذلك إلا عبر طرق بوابة القطاع الخاص و رجال الأعمال على المستوى الثنائي. في أفق التفكير الجدي في إطار اقتصادي يجمع الأقطاب الإفريقية كل من موقعه و حسب قدراته.
– عودة المغرب إلى أروقة الاتحاد الإفريقي
إن تحسين علاقات المغرب مع التحالف الأنجلوفوني بإفريقيا أصبح ضرورة ملحة لحفظ المصالح المشتركة، فالأولوية اليوم تتجسد في التعاون المستمر سياسيا و اقتصاديا و أمنيا، و الذي سيؤدي لا محال إلى عودة المغرب لأروقة الاتحاد الأفريقي و رفع يدها تدريجيا عن دعم أطروحة الانفصال، إستنادا إلى أن العلاقات الدولية مبنية على المصالح المشتركة لا على الصداقات الدائمة.
فرغم حضور المملكة المغربية لبعض دورات القمة الافريقية، و الذي لا يمكن اعتباره عودة رسمية للاتحاد، إذ “يعتبر اعتراف الاتحاد الإفريقي بجبهة البوليساريو يدخل في نطاق الانتهاك الواضح للقانون الدولي، ذلك لأن الجبهة ليست دولة قائمة الأركان ولا تلبي شروط الاعتراف الدولي” حسب تصريح الوزيرة المنتدبة لدى وزير الشؤون الخارجية و التعاون. فالعودة مرتبطة بطرد الكيان الوهمي الذي أحضره أدم كودجو، و سحب عضويته ملازم لإعادة الدفء للعلاقات المغربية مع الدول الأنجلوفونية بإفريقيا. كما لا يمكن إغفال اهتمام المملكة العربية السعودية بالاتحاد الإفريقي (باعتبارها عضوا مراقبا بالاتحاد)، و الحضور الهام لوزير الخارجية السعودي عادل الجبير و عقد عدد من اللقاءات مع نظرائه العرب والأفارقة، بحث خلالها العلاقات الثنائية والتطورات الدولية خصوصا الوضع في اليمن والأزمة السوري،. و الذي يمكن استثماره بشكل إيجابي لدعم الموقف المغربي بالاتحاد الإفريقي.
إن الرهان الحقيقي للدبلوماسية المغربية بقيادة جلالة الملك محمد السادس( و الذي قاد فتوحات في أعماق إفريقيا) هو التخلص التدريجي من المحددات الكلاسيكية في علاقاته مع الدول الإفريقية، و مواكبة الاهتمام العالمي البالغ بالفضاء الإفريقي خصوصا بعد (ما سمي ب ) الربيع العربي و انهيار عدد من الأنظمة التي لازالت لم تتعافى كليا، و هو ما يمهد لأحقية المغرب في البحث عن الريادة في القارة الإفريقية، و التي لن تتحقق إلا داخل مؤسسات الاتحاد الإفريقي.


شارك بتعليقك

شاهد أيضا
اشتراك في القائمة البريدية
   

إشترك بالقائمة البريدية لكواليس اليوم لتتوصل بكل الجديد عبر البريد الإلكتروني