"الإستثناء الثقافي " أو إعادة بناء مفهوم الفضاء العمومي

 

تسمو الشعوب و ترتقي بالنظام و التعلم  و ليس بالفوضى و التشرذم ، و لعمري ما علمت عن دولة  بلغت مراميها في التقدم دون نجاح المنظومة التعليمية في ضمان العقل السليم، و دون تمكن المخطط الصحي من ضمان الجسم السليم . فمن شروط تحقيق التنمية ارتفاع مردودية التعليم و الصحة بشكل يزيد من تحسين عيش العنصر البشري ، و بين هاتين العجلتين يستمر حصان الإقتصاد في إثبات قوة جرِّه للعربة قصد بلوغ الأهداف المأمولة من رفع تحدي عشرية الصعود.

ثلاث مؤشرات علميةنستحضرهامن بين أخرى ، ثلاث مؤشرات تساعد من يهمهم الأمر على إدراك مسار التنمية الشاملة . و لا يمكن لإثنين أن يختلفا حول تدني الحصيلة الميدانية للإدارة المغربية و كذلك فشل المنظومة الحزبية في تشكيل جهاز تنفيذي متوافق على حد أدنى من احترامالتوجهات الاستراتيجية للدولة المغربية ، جهاز تنفيذي يستبق للخيرات و لا يتسابق فقط من أجل الغنيمة و المكاسب النفعية الشوفينية .

كما أن استكمال إصلاح منظومة العدالة و القضاء يعني توفير حماية قوية لسيادة القانون و حسن تطبيقه بكل نزاهة وحياد ،فالتشبت بدولة المؤسسات يفرض وجود هذه السلطة القضائية المستقلة و التي تعمل وفق مبدأ” توازن السلط المتعاون”و تدرك أن هيبة هذه المؤسسة الدستورية هي من هيبة الدولة.

ولعل الوضع الراهن بجميع تمظهراته و جميع أفراحه و خيباته ، يدفع كل عاقل لبيب نحو صدق المكاشفة و وضوح التحليل ، لذافأول شروط التنمية الحقيقية ينطلق من صناعة ” الإستثناء الثقافي ” ؛ إذ كيف سنمضي في معركة التحديث و الحداثة ، معركة العصرنة و المعاصرة ، معركة الحاضر من أجل المستقبل ؟! كيف سنقطع هذا الطريق الشاق و الطويل ؟؟ و نحن الفاعلونبأنفسنا و وطننا مالم يستطع خبث الأعداء و الخصوم فعله بنا !!!.

يا معشر الفضلاء إن الديمقراطية قبل أن تصل إلى عدَّاد الصناديق و زخرف المناصب و المكاسب هي فكر و ثقافة أولا ، و إذ نحن أخطأنا في الإنطلاقة السليمة فحتما ستكون النتيجة من أخت الفشل .كما أن غاية الديمقراطية المفيدة و فلسفتهاالعتيدة تجعل من قوة الدولة و هيبتها أعمق آلياتها الاستراتيجية، حيث نجد الدولة متمتعة بحق احتكار استعمال القوة أو ” العنف المشروع ” عند مختلف النظريات الفلسفية المؤسسة لمفهوم الدولة.

من هذه الشذرات الفكرية و المعرفيةنستخرج المختصر المفيد للإستثناء الثقافي ، و من معارك الدولة الديبلوماسية نلامس حجم الخطر الذي يهدد الوحدة الترابية للدولة المغربية ، و من نسبة الإقبال على الإنتخابات التشريعية الجزئية نتابع تزايد نفور المواطنات و المواطنين من المشاركة في الدخول السياسي مما ينذر بانهيار مريع للمنظومة الحزبية برمتها !.

من حالة الشتاتالقيميللوجدان الشعبي و استحلاء دور المستهلك دون قدرة على الإنتاج ،نساءل المجتمع و الأسرة  عن وقائع الإفلاس الأخلاقي . و من ” سيبة ” القيادات الحزبية الشعبوية و فرارها من المسؤولية السياسيةتتجلى إلزامية إعمال مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة و عدم الإفلات من العقاب .ثم من خطابات الحقد و الكراهية التي تهز أركان اللحمة و التماسك بين مكونات الشعب الواحد نعاينفظاعة شرذمة منشبيهاتالمثقفات و أشباهالمثقفين !.

من أدلجة الدعوة إلى سبيل الله و جعلها ورقة سياسية تتدخل من خلالها ” مشيخة ” الدعاة و الفقهاء في شؤون دول شقيقة و صديقة ، و يتمردون على القرار السيادي للدولة المغربية في الحياد الإيجابي من أزمة قطر.و كأن الولاء لمصالح الوطن انقض جدار عهده و ظهر البراء المستتر، فلماذا تتحرك أدواتهم الفوق – وطنية لتوريط الديبلوماسية و استنزاف طاقاتها معارك مشبوهةلن يستفيد من خوض غمارها الوطن ؟! . معارك عالية الصوت ضعيفة المعنى ، لن تعود على الشعوب بمنفعة  إصلاح ذات البين ، بل ستساعد بكل آسف على استكمال شق الصف العربي إلى فرق دينية سبق أن حذرنا من ضلالها رسول الرحمة  النبي محمد ذو الخلق العظيم.

من كل ما سبق نسترسل في التذكير بأن الاستثناء الثقافي أو إعادة بناء مفهوم الفضاء العمومي يشكل المدخلالأساس للدولة قصد تتبيث التحول الديمقراطي المنطلق منذ المصادقة الشعبية على التعاقد الدستوري ، هذا العقد الإجتماعي الذي يرسخ رؤية مغرب منفتح و متعدد .إنه دستور 2011 الذي يتمثل في هندسته  مغرب المواطنة و تكريس المساواة بين جميع المواطنين بصرف النظر عن الانتماء اللغوي أو الفئوي أو المجالي أو الديني. مغرب نتساوي أمام سمو قانونه من حيث الحقوق والواجبات، فالاستثناء الثقافي أو إعادة بناء مفهوم الفضاء العمومييشكل المدخل العقلانيلتدبيرالتناقضات المجتمعية.

 

*شاعر 

 

رئيس جمعية الاختيار الحداثي الشعبي

 

شارك بتعليقك

شاهد أيضا
اشتراك في القائمة البريدية
   

إشترك بالقائمة البريدية لكواليس اليوم لتتوصل بكل الجديد عبر البريد الإلكتروني