من يحكم العالم؟!

عبد اللطيف مجدوب

إشكالية فلسفية

بمجرد طرح هذا التساؤل إلا وترد على أذهاننا خواطر منتمية إلى ثقافات معينة إما أن تكون تنهل من تيارات علمانية حداثية أو مادية صرفة ، أو تستمد مفاهيمها من بعض الأديان السماوية .. وقد تتوارد ؛ في زخم هذه الرؤى ؛ أجوبة نمطية معظمها يغرف من أنظمة سياسية واقتصادية كونية ، تتصدر الزعامات ، والفعل العابر للقارات ؛ لتملي شروطها وضوابطها على كيانات سياسية واقتصادية صغرى تحقيقا لمبدأ قانون الغاب ؛ الصغير تحت رحمة الكبير والمؤتمِر به .
في هذه الورقة سنحاول استجلاء هذه الرؤى ، علّنا ننتهي إلى أجوبة موضوعية للإشكالية الرئيسة : من يحكم العالم ؟

رأي العولمة في امتلاك السلطة

قد يصح تعريف العولمة من خلال الآثار الناجمة عن امتدادها واختراقها للعديد من البلدان ، وبالأخص أنسجتها السوسيوثقافية والسياسية ، ذلك أن أبرز معالم هذا التعريف هو القضاء على هويات الثقافات المحلية ، وتنميط حياتها الاقتصادية بنماذج استهلاكية جاهزة ؛ تأتي أحيانا على عادات وتقاليد شعوبية لتسحقها وتستنبت مكانها أخرى قائمة على قطبي السوق العرض والطلب ، وتلبية الحاجيات المادية الاستهلاكية . فكم من ثقافات أقلية/محلية ، سواء في آسيا أو إفريقيا أو أمريكا اللاتينية اضمحلت واختفت في ظل هذا الزحف المادي المريع ، وبتنا نرى معايير الحياة والجودة والتطور تكاد تتصدرها منظومة دولية واحدة عند الآسيوي أو الإفريقي . ولعل من وراء تبني هذا النظام العالمي Universal Order أو العولمة Globalization هو امتلاك مفاتيح التحكم في الأسواق العالمية ، وضبط إيقاعها من أطراف مجموعة من الشركات العملاقة ، والمتعددة الجنسية ، والعابرة للقارات . وقد ولدت هذه الدينامية الجديدة أنظمة اقتصادية دولية تفرض تكتلات بين الرساميل الكبرى ، والمنتجات الاقتصادية . فشركة المحروقات ؛ في بلد ما ـ على سبيل المثال ـ لا يمكن لها الاستمرار ، وتنمية أرباحها إلا إذا انضمت إلى التكتل العملاق في هذا القطاع ؛ وهكذا وجدت السياسة نفسها مطوقة بسلطة هذه القوى الاقتصادية الكبرى ، وخاضعة لبرنامجها وإملاءاتها .

من يحكم العالم .. بين السحر والقوى الغيبية

تناولت هذا التساؤل ثقافات متجذرة في السحر والقوى الخارقة ، ولعل أبرزها ما تم نشره مؤخرا بأن هناك سلالة Collins التي تعتبر واحدة من أسلاف عبدة الشيطان الثلاثة عشر التي تحكم العالم .
فقد كتب فريتز سبرنيجمير Fritz Springmeier في كتاب له ” أسلاف المتنورين ” Blood Lines of the Illuminati ‘‘ إن هذه الأجيال عبدة الشيطان Satanist تحكم كل مجموعات النخب والجمعيات السرية من أعلى هرم السلطة ، وكل أعضائها “المتتنورين” هم عبدة الشيطان Satanists ’’ يخضعون لمراقبة العقل القائم على الصدمة ، وعدد المؤلف أسماء نافذة في مواقع دولية حساسة يمتلكون أسهما في 37 مليون شركة عبر العالم .
على أن هناك اتجاها غيبيا يزعم أصحابه أن التحكم في العالم يتأتى من قبل السحر الأسود Black Majic ؛ يعتمدون فيه على قلب كل المبادئ التي درج عليها الإنسان إلى أضدادها فيسمون الأسود أبيضا ، والقبيح جميلا ، والخطأ صوابا ، وفي هذا المضمار توجد “جمعيات سرية ” تحمل شعار جمجمة محاطة بعظمتين ، ومن جملة أدواتها تسخير الجنس على أوسع نطاق ، ولديهم اعتقاد ‘‘ أنه لطالما أن العالم ؛ في رأيهم ؛ مكون من الطاقة التي تتحرك عبر التموجات فيمكن للنفوس أن تلتقي ببعضها من خلال الترددات الناجمة عنها في الظلام ،،
ويخلص الكاتب إلى القول ‘‘ بأن الماسونية Freemasonry ؛ في بداية تكوينها ؛ جمعت الشركات الاقتصادية الكبرى ، لكنها سرعان ما تجاوزتها إلى مواقع جد حساسة في النسيج الاقتصادي العالمي بمباركة اليهود عبدة الشيطان Satanists Jews .

الصين أو اليهود

هناك آراء ذهبت في اتجاهات اقتصادية وثقافية صرفة ، وهي تحاول الإجابة عن الإشكالية المركزية ” من يحكم العالم ” ، منها ما رأت في يقظة الصين وتصدرها للاقتصاد العالمي انعتاقا للعالم من رقبة الاستعمار ، ونهج سياسة الرأسمالية المتوحشة Savage Capitalism والتي قادت العالم إلى مزيد من صور الدمار وتصاعد أرقام نسب الجوع والعطالة . هذه النظرة المتفائلة قائمة ؛ في رأي أصحابها ؛ على ‘‘ ثقافة الصين ، وتكريسها لمبادئ العدل والمساواة ، والقيم الأخلاقية التي ماتت لدى الغرب ’’
بيد أن هناك اتجاها تحليليا آخر ؛ في المقابل ؛ يرى أن اليهود هم الذين يمسكون بخيوط زعامة وقيادة العالم ، ـ ولو في الخفاء ـ أو كجبل الثلج الذي لا يُرى منه على السطح سوى الزبد الذي هو بمثابة أمريكا أو بالأحرى رأس الحربة أو التنين أو اليهود ( من خلال التكتلات الاقتصادية والمالية ، والمتواجدة داخل كل نسيج اقتصادي لدولة ما . وترتكز آراء أصحاب هذا الاتجاه أو بالأحرى يستمدون نظرتهم ويعززونها من خلال الكتاب المقدس وإشارته إلى اليهود ” كشعب الله المختار ” والذين يوكل إليهم أمر زعامة العالم وقيادة البشرية .

نعوم تشومسكي في كتابه الأخير

Who Rules the World ? ، ” من يحكم العالم ؟ ” نشر في شهر مايو الماضي من السنة الحالية يقع في 320 ص ويندرج ضمن العلوم السياسة ؛ نهج فيه المؤلف مقاربة سياسية أتت على محطات جيوسياسية Geopolitical عديدة أبرزها :
* سادة البشرية ، المال والجاه والسلطة ؛
* الولايات المتحدة ، والرأي العام العالمي ؛
* الحرب العالمية على الإرهاب ؛
* الإنفاق العسكري ضمن حلف الناتو ؛
* خلاف الصين وأمريكا ( جنوب بحر الصين ) ؛
* 70 سنة من عصر الأسلحة النووية ، تقترب من إشعال حرب نووية ؛
* العالم الإسلامي ( مسرحا للحرب على الإرهاب ) ؛
* جريمة العراق ، أكبر جريمة في القرن 21 اقترفتها أمريكا ، وفاة مئات الآلاف وتشريد الملايين ، والتحريض على الصراع
الطائفي .

الخير والشر والنزوع إلى القوى الشريرة

هناك اتجاه فلسفي إلحادي Atheistic عرض لقوى الخير والشر وتساءل عن مصدر الشر ؛ في الإنسان ؛ وذهب بعيدا في ملاحقة القوى الشريرة في العالم ، كما وقف متسائلا : ‘‘ أليس في قوة الشر أداة للعقاب وإنزال الحد على قوى ظالمة ؟ ’’ ‘‘ هل الشيطان أداة بطش في يد الخالق ؟ ’’
لكن القرآن يجيب بصريح الآيات { ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك }(النساء 79) ؛ { إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا }(الإسراء 53) ؛ { إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون }(الأعراف 27) ؛ { وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها }(هود 6) ..

النظام العالمي الجديد

وضع من قبل النخبة المالية الأمريكية الأوروبية ؛ للتحكم في كل القطاعات الخدماتية على مستوى العالم من أبرز معالمه :
– حكومة عالمية واحدة تترأس الأرض لصالح القلة العالمية ( النخبة ) وترك كتلة بشرية هائلة تعاني الحرمان ؛
– النظام يمزج بين العلمي والهندسي للحد من سكان العالم ( يخترع الفيروسات /اللقاحات/الأغذية المعدلة وراثيا ، يشعل الحروب ؛
ويخترع أسلحة الدمار الشامل ، وبتر سكان العالم إلى أقل من مليار ) ؛
– ترك موارد الأرض للاستخدام الحصري لهذه الأوليغارشية العالمية ( الأقلية الحاكمة ) Oligrachy ؛
– فرض المجتمع الشمولي العالمي .
كما أن النظام العالمي الجديد ؛ وبهذه المواصفات ؛ أفرز ؛ حتى الآن ؛ تيارات منددة وحانقة بتغول الكبار ، واستفرادهم بثروات العالم ، وتصاعد نسب المجاعة ، والهشاشة والأمراض الفتاكة ؛ مما تولد عنه ؛ في الآونة الأخيرة ؛ موجة من السخط العارم طال عدة طبقات اجتماعية في أنحاء العالم ، مع ما نجم عنه ؛ من واجهة أخرى ؛ من تيارات راديكالية إرهابية تحت عباءة الإسلام .
ويجمع خبراء المستقبليات Futures Sience والسوسيولوجيين Sociologists بخاصة أن العالم يزحف إلى الدمار المحقق في الخمسة عقود القادمة ، إذا لم يُعِد النظر في حقوق الإنسان ، وحقوقه في تقاسم الثروات ، بدلا من تكريس سياسة هيمنة اقتصاد الكبار .

سلطة التحكم في العالم ضعيفة أمام جبروت الخالق

من خلال صور وأشكال وأساليب تحكم الإنسان في العالم والتي وقفنا عند بعض محطاتها أو بالأحرى مؤشراتها .. يتضح أن سلطة الإنسان في التحكم وقيادة العالم تظل محدودة ، فإن كانت تتجه إلى السيطرة على الموارد الاقتصادية والمالية ، وحركات التجارة العالمية ، فلن تستطيع التحكم في المناخات الأرضية وتقلباتها ، جراء النفايات التي يفرزها الإنسان . لذلك نرى أن تفكير الإنسان ما زال عاجزا عن بناء التوقعات وضبطها والتحكم فيها ؛ مثال ظواهر البراكين ، والزلازل ، والحرائق ، وذوبان الجليد ، ومقادير المد والجزر في المحيطات والبحار ، والفيضانات العارمة ، والحوادث البحرية والجوية ، وتزايد نسب أكسيد الكاربون في الجو … كما أن الإنسان نفسه ما فتئ يشكل ؛ لدى العديد من علماء السيكولوجيا وأمراضها لغزا محيرا ، به أغوار عميقة ما زالت مظلمة ، لم تستطع العلوم ؛ حتى الآن ؛ الاقتراب منها في محاولة التعرف عليها ، لوجود ملايين العناصر المتآلفة والتي لا يمكن أن تدخل تحت الحصر أو التحكم في نسيج تفاعلاتها وتداعياتها على السلوك البشري إلا من قبل خالق الكون .


شارك بتعليقك

شاهد أيضا
اشتراك في القائمة البريدية
   

إشترك بالقائمة البريدية لكواليس اليوم لتتوصل بكل الجديد عبر البريد الإلكتروني