حتى لا تنسى من نحن!!!

محسن عمي

طالعتنا إحدى المواقع الإلكترونية، بتصريح للسيد ” أنور بنعزوز” الرئيس المدير العام للشركة الوطنية السيارة بالمغرب، يدحض فيه شبهات مستخدمي مراكز استغلال الشركة الذي يوجد على رأسها، و يفند مزاعمهم. بتأكيده عدم وجود علاقة تعاقدية تربط شركته و إياهم، و أن المهام التي يزاولها المعنيون بالأمر، هي مهام مستخرجة لصالح شركات متعاقدة مع شركته. ذون أن يتعرض سيادته لكرونولوجيا الخلاف، و حيثياته. و كان الأجدر للسيد المدير بحكم منصبه أن يعطي للرأي العام تصريحا مكتمل الأركان، بما فيها الطبيعة القانونية للعقود التي تربط شركته، و الشركات المتعاقدة . يجعله بمنأى عن تقديم أنصاف الحقائق، يسقطه في مغبة الكذب على الرأي العام. و ردا على السيد المدير وجب علينا التأصيل القانوني للمشكل، بما فيها الوضعية القانونية الشاذة التي تشغلها هاته الفئة وحتى لا تنسى من نحن !!؟

* الوضع القانوني للعقود المبرمة بين الشركات المتعاقدة و الشركة الوطنية للطرق السيارة :
سوف أتطرق في هذه الفقرة لإشكال مفصلي يتلخص في الوضعية القانونية، التي تثيرها طبيعة العقود المبرمة، والشركات المتعاقد معها. و حتى يتسنى لي وضع القارئ الكريم في الصورة، سأحاول بما يسمح لي به المقام ، و التكوين القانوني المتواضع، إلقاء الضوء على ماهية الشركات المتعاقد معها، و عقود الشغل من الباطن.
* أولا: ماهية الشركات المتعاقدة: يقصد بوكالات التشغيل حسب الفصل 495 من مدونة الشغل، كل شخص اعتباري مستقل عن السلطة العمومية، يقتصر عمله على تشغيل الأجراء، بهدف وضعهم مؤقتا رهن إشارة شخص ثالت يسمى المستعمل، معتمدا على عقود شغل محددة المدة. و يراقب تنفيدها مع التكفل بأداء الاجور و الوفاء بكل الالتزامات القانونية المترتبة عن عقد الشغل.
و الجدير بالذكر أن الأحكام المنظمة لهذه المقاولات، جديدة لم يسبق أن عرفها المشرع الإجتماعي المغربي، و أحكام هذا الباب، جاءت مستنسخة للمقتضيات الواردة في الاتفاقية رقم 181 التي صادق عليها المغرب في آواخر القرن الماضي. و هذف المدونة من استحداث هذا النوع من المقاولات، هو تشغيل يعتمد على مساهمة القطاع الخاص، و استشراف قيامه بنفس الدور الذي كانت تكرسه عقود المقاولة من الباطن في ظل التشريع السابق خصوصا عندما يكون موضوعها توريد اليد العاملة. و المشرع المغربي أعاد تنظيم أحكام هذه المقاولة لتفادي المساس بحق الإضراب.
فالمدونة لم تسمح باللجوء إلى هذه المقاولة في حالات الإضراب . و لأن هذا النوع من المقاولات و عقودها المؤقتة، نضرا لما يكرسه من هشاشة في علاقات الشغل، قيد المشرع نطاق، و شروط و الالتزامات هذه المقاولة. أما بخصوص اللجوء إلى العقد المحدد المدة حدد في الفصل 496 من المدونة و الذي بموجبه يمكن للمشغل اللجوء إلى أجراء مؤقتين بعد استشارة الهيئات التمثيلية للاجراء داخل المقاولة، من أجل القيام بأشغال غير دائمة في الحالات التالية:
* إحلال أجير محل آخر في حالة الغياب أو في حالة توقف عقد الشغل لسبب من الأسباب ما لم يكن بسبب الإضراب.
* التزايد المستمر في نشاط المقاولة.
* انجاز أشغال ذات طابع موسمي.
* انجاز أشغال استقر العرف على عدم اللجوء فيها إلى عقد الشغل الغير المحدد المدة بسبب طبيعة الشغل.
و أهم ما ميز المدونة، أنها حملت إضافة تهم استشارة الهيئات التمثيلية، و هي استشارة لم تكن واردة بأي مشروع سابق. و هناك حالات لا يمكن اللجوء فيها إلى أجراء مقاولات الشغل المؤقت بموجب المادة 497 أهمها الأشغال التي تكتسي خطورة خاصة . هذا فيما يخص وكالات التشغيل و العقود المحددة المدة، فماذا عن عقود الشغل من الباطن؟
تانيا: ماهية عقد الشغل من الباطن: كما عرفته المادة 86 من المدونة هو عقد مكتوب يكلف بمقتضاه، مقاول أصلي، مقاولا من الباطن بالقيام بشغل من الأشغال أو إنجاز خدمة من الخدمات و مثال ذلك ” أن يكلف مقاولا متخصصا،- و أسطر هنا على كلمة ( متخصص)- في مجال البناء ، مقاولا آخر بمشروع معين في مجال البناء ، كبناء قنطرة أو سد. و التشريع السابق، تحديدا ظهير 24يناير1953 حيث كان يتضمن صورتين لعقود المقاولة من الباطن.
الصورة الأولى: يكون فيها محل العقد توريد اليد العاملة، من مقاولة إلى أخرى، عن طريق وسيط و ذلك لتلبية حاجياتها الطارئة.
الصورة الثانية: العقد فيها يكون موضوعه تكليف مقاول أصلي، مقاولا فرعيا بانجاز شغل ما، شأو تقديم خدمة معينة لفائدته.
وقد نالت الصورة الأولى نصيبا كبيرا من النقد من طرف الفقه، باعتبارها مساومة على أجور الأجراء، و استغلالهم، وذلك عندما تكون النسبة المخصصة للمورد تتجاوز تلك المخصصة للأجير، بنسبة 10%. مما حدا بالمدونة الاقتصار على تنظيم العقد في صورته الثانية و إلغاء هذا الظهير.
بعد ان عرضت لموقف المشرع، من العقود التي يكون الأجير موضوعا لها. لا بأس من عرض مبسط، ووجيز لكرونولوجيا الإشكال التي تنادي بحله هذه الفئة من المستخدمين. التي لا تريد كما يدعي سيادته، أنها تنادي بالتوظيف المباشر. و لو أن القانون يخول لها ذلك. فهي لا تريد سوى مكانا تحت شمس وطن، أوهموها أنه وطنها. فبعد معارك، أتبثت فيها هذه الفئة تحايل الشركة الأم- الشركة الوطنية للطرق السيارة بالمغرب- و التفافها على القانون، و تحاملها مع شركات مجال تخصصها، النظافة و الحراسة، و البستنة. بعيدة كل البعد عن مهام الشركة التي تدعي بهتانا و كذبا، أنها مستخرجة. على هذه الفئة من أبناء الشعب و التي تتوفر على مستويات دراسية أقلها سنتين بعد الباكلوريا. هاته المعارك توجت باجتماع تاريخي حظره وزير التجهيز السابق ” غلاب” و مدير الشركة السابق السيد ” عثمان الفاسي الفهري” و ممثلين عن كل من وزارة الداخلية و التشغيل و النقابة الوطنية للمستخدمين موضوع النزاع. وقف فيه الجميع على الخروقات، و أحقية هذه الفئة في الإذماج المباشر. تمخض عن هذا الاجتماع استحداث لجنة تقنية أوكلت لها مهمة جبر الممكن من الأضرار التي لحقت هذه الفئة. و تأجيل المطلب الأساسي المرفوع. و هو الاذماج الفوري . و بعد مرور سنة من المفاوضات الماراطونية التي انتهت الى لا شيئ. انخرطت الفئة المعنية في إضراب دام شهرين، انتهى باجتماع دعت إليه اللجنة التقنية بتاريخ 14 يونيو 2012، توج بمحضر التزمت فيه أطراف النزاع التي تحددت في الادارة المركزية للشركة، و الوزارة الوصية على القطاع، و النقابة الوطنية لمستخدمي الطرق السيارة بالمغرب، و ممثل عن الأمانة العامة للاتحاد المغربي للشغل. بإنهاء الإضراب، و الإشتغال بموجب عقود غير محددة المدة مع الشركات المتعاقدة، ذاخل مراكز الاستغلال للشركة الوطنية للطرق السيارة. بالمقابل التزام الشركة و الوزارة الوصية بضمان الاستقرار ذاخل مراكز الاستغلال في أفق إيجاد المنظومة القانونية السليمة لضمان الاستقرار المادي و الاجتماعي و القانوني. و هذه الالتزامات تمت بشهادة كل من ممثلين عن وزارة التشغيل و الداخلية.
فبعد خمس سنوات بما فيها، سنتين من تمديد السيد المدير مع الشركات المتعاقد، و هذه الفئة تترقب تنزيل البند الذي ورد في محضر 14 يونيو2012 ، و الذي كان سببا لقبول الاشتغال في إطار شركات المناولة على مضض لمدة ثلات سنوات، عدت بالساعات .فكان حال مستخدمي الطرق السيارة و الذين يشتغلون في إطار هذه الشركات، حال السجين الذي كلما أصبح، خط خطا، و شطب على سابقيه من الخطوط . في إشارة إلى الأيام التي قضاها من مدة محكوميته. و يتمثل في إيجاد المنضومة الكفيلة بضمان الاستقرار القانوني للمستخدمين، والمادي و المعنوي. توجت بصياغة اتفاقية جماعية باشراف من لجنة عينها السيد المدير العام، و لجنة فوضتها النقابة الوطنية لهذا الغرض، انتهت بموافقة الأطراف على بنودها، بشكل مبدئي. اتفاقية جاهزة للتنزيل لا ينقصها سوى تأشير السيد المدير، الذي ولى الضبر، لأسباب لا يعلمها إلا الله و سيادته. و التزم الصمت دهرا، و أقفل مكتبه حتى على لجنته التي عينها بنفسه. لينطق تصريحا لا يعدو أن يكون رأيا شخصيا بحكم ان التصريح الذي أدلى به للصحافة، خالي من البراهين و الحجج المعززة بوثائق. تصريحا أرد سيادته فقط ( لغميق ) على الرأي العام الذي يتابع عن كثب مجريات النزاع، خصوصا بعد الإضراب الناجح التي خاضته الشغيلة. و الذي تكبد فيه المرفق خسائر رفض سيادته التصريح بها، و اتحداه بمنطقه ان يتابع بخصوصها الشركات المتعاقدة. فالحمد لله ليس للكذب أرجل .


شارك بتعليقك

شاهد أيضا
اشتراك في القائمة البريدية
   

إشترك بالقائمة البريدية لكواليس اليوم لتتوصل بكل الجديد عبر البريد الإلكتروني