حكومة محاصصة المناصب أم حكومة وحدة وطنية ؟

محمد جمال بن عياد
يتم تشكيل حكومة وحدة وطنية في حالات الطوارئ (مثل الحرب والكارثة الطبيعية أو الأزمة الاقتصادية)، وهذا يحتاج بطبيعة الأمر حشد قامات وطنية أبرار وطاقات شاملة وكفاءات متمرسة، في سبيل مواجهة الكارثة أو الأزمة.
وكرد على دعوة لشكر، الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي إلى تشكيل “حكومة وحدة وطنية” لمواجهة تفشي فيروس كورونا المستجد. قال وهبي، الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة “إن المغرب ليس في حاجة إلى حكومة وطنية لتدبير أزمة تفشي وباء فيروس كورونا في المغرب”، وأضاف: “رئيس الحكومة يدبر اليومي كأي موظف، وهذا ليس عمله، بل ينبغي أن يجد إجابات على الإشكالات الكبرى”.
وجاء تعليق على دعوة لشكر، بأنه “لم ينس بعد كيف تم إقصاؤه من حكومة الكفاءات قبل شهور قليلة، ولا يزال مصرا على الانتقام من حكومة العثماني، إما بإسقاطها أو بالدخول إليها”.
وأثارت دعوة لشكر استغراب الكثير من المتتبعين حيث حزب هذا الأخير يتربع على كرسي رئاسة مجلس النواب وطرف في الحكومة الحالية والسابقة وليس من المعارضة، مما جعل المهتمين بالشأن السياسي يتساءلون عن الخلفيات الحقيقية لرغبة لشكر.
وحسب منار السليمي أن من الناحية الدستورية لا توجد “تسمية- حكومة وحدة وطنية -، فهي مجرد متمنيات شخصية لبعض الأمناء العامين للأحزاب الباحثين عن الاستوزار”، مضيفا أنه “في حالة تعثر عمل الحكومة بعد نهاية جائحة كورنا ووجود خلل في سير العادي للمؤسسات الدستورية يُمكن للملك أن يستعمل مقتضيات الفصل 59 بإعلان حالة الاستثناء”.
و”حكومة الوحدة الوطنية”، تشكل من أكبر الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان، خلافا لما اقترحه لشكر من أمناء أحزاب غير ممثلين في البرلمان أصلا للمشاركة في “حكومة الوحدة الوطنية”.
وكثير من المتتبعين تنتابهم حالة من الشك فيما يقدمه بعض السياسيون من تبريرات، سواء من ينادون ب “حكومة وحدة وطنية” أو من يرفضونها أو من يدعمونها، وهو ما يعني ببساطة أن هناك المسكوت عنه والمضمر.
وهناك وعي وطني بوجود “مأزق ” أو “أزمة” حقيقية تستدعي تغيير آلية الحكومة الحالية، ولكن الوضع الحالي يفرض على السياسيين الانطلاق أيضا من الوعي بوجود مسافة كبرى بين الاعتراف بالأزمة وتحديد طبيعتها واقتراح الحلول المناسبة لها.
أوليس رئاسة البرلمان لحزب لم يحصل إلا على 20 مقعدا، من أصل 395 مقعدا، إلا نتيجة أزمة أخلاقيات سياسية؟، و الإجابة على إشكال”الأزمة”، ألا يستدعي ربطها بتركيبة الحكومة الحالية أو بطبيعة أدائها؟
إن الأزمة التي تعرفها البلاد قبل جائحة كرونا وما قد تعرفه بعدها، أزمة مفتوحة على “حكومة فاشلة” وعلى إمكانية الإفلاس وعجز البلاد عن توفير خدمات اجتماعية، هي أزمة اختيار مسؤولين وصناع القرار وأولياء قضايا الشأن العام.
وعرفت البلاد منذ سنوات العديد من البرامج”الإصلاحية” التي يراها متتبعون في الحقيقة مجرد أوراق غير مفعلة على أرض الواقع أو مفعلة بشكل خاطئ، تغلب عليها المصالح الشخصية للمكفول لهم بتنزيل هذه البرامج.
وكما يرون، أنه بصرف النظر عن المزايدات “الأيديولوجية” وعن “الشعاراتية” التي تحكم الوعود الانتخابية، لم تظهر أحزاب مكونة للحكومة الحالية أو السابقة بعد دستور 2011، بصمة واقعية للإصلاح ومحاربة الفساد والقطع مع الريع، وقد جعلت المناصب العليا مرتعا للهط واللهفة على التعويضات والامتيازات.
ويعتقد البعض كذلك، أنه ليس من المستبعد أن يكون أصحاب مطلب “حكومة وحدة وطنية” قد بنوا طلبهم هذا، على الرغبة في الظفر بمنصب وزير أو مناصب عليا أخرى من خلال تمكين من يقترحون لمنصب وزير. وهو ما يعني ضرورة البحث عن فهم المبادرة على أساس أنها لا تهدف إلى البحث عن أفضل الحلول لإدارة “الأزمة” التي تعيشها البلاد، والتخفيف من آثارها الكارثية المرتقبة.
وتبدو مبادرة لشكر لتشكيل “حكومة وحدة وطنية” أقرب ما يكون إلى التعبير عن رغبة شخصانية ألفها البعض واعتاد عليها.
وإن أي “حكومة وحدة وطنية” لن تكون في الواقع إلا حكومة محاصصة، بل حكومة ريع سياسي سيكون عليها حماية المصالح الذاتية.
وختاما، يمكن القول إن مقترح “حكومة الوحدة الوطنية” يضع البلاد أمام مأزق هو أشبه ما يكون بمتناقضات ومفارقات إنسانية، إذ لا يمكن الخروج من الأزمة التي تعيشها البلاد إلا بوجود شخوص وطنيين طيبي السريرة، ولا يمكن وجود “حكومة وحدة وطنية” في ظل واقع سياسي يهيمن عليه الريع السياسي والنقابي، لا يمكن من مناصب المسؤولية إلا من يعيدون اجترار الأزمة.
وإن المأزق الحقيقي الذي تعيشه البلاد هو أن هناك ممن يفترض فيهم محاربة الفساد هم بالأساس منتوج من منتجاته، بل هم جزء بنيوي ووظيفي فيه، وهو ما يعني أن مطلب “حكومة الوحدة الوطنية” هو مجرد “طمع” هش وغير محكم البناء، هدفه هو تحصين مكتسبات و مزيد من الغنائم الشخصانية.
وإن تجاوب دولة المؤسسات والقانون مع المطالب الاجتماعية المتزايدة، هو أولى خطوات الخروج من أثر جائحة كورونا، الذي لا يحتاج لمدد زمنية طويلة، فقط دراسة ما حصل قبل الجائحة وإبانها وكيفية الخروج منه، والالتزام بمضامين الدستور وتوجيهات عاهل البلاد، فكل خطاب للملك بحد ذاته يعتبر برنامج عمل حقيقي واضح لا يحتاج لترجمة ولا شرح، إنما الفعل الجدي بعملية تنفيذية تطبيقية على أرض الواقع.


شارك بتعليقك

شاهد أيضا
اشتراك في القائمة البريدية
   

إشترك بالقائمة البريدية لكواليس اليوم لتتوصل بكل الجديد عبر البريد الإلكتروني