بيكين1995…2021: نحو آلية تشريعية فعالة للقضاء على العنف السياسي ضد المرأة المغربية

منذ 25 سنة،توافقت دول المعمور حول ثاني صك دولي بعد سيداو حول النساء،حيث توجت أشغال المؤتمر الدولي الرابع حول النساء بتوقيع خطة عمل بيجين.لقد شكلت خطة عمل بيكين الإطار المرجعي و التعاقدي لكل الأطراف لفترة نهاية القرن العشرين و بداية الألفية الثالثة.هذه الوثيقة المنبثقة عن الدورة تؤكد في الصفحة 85 على أنه: ً الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ينص على أنه لكل فرد الحق في المشاركة في تدبير الشؤون العامة لبلده.لا يمكن الوصول الى تدبير و إدارة شفافة و مسؤولة و تنمية مستدامة في كل المجالات دون تمتيع النساء بالمزيد من سلطة القرار و الإستقلالية و دون تمتيعهن بوضع اجتماعي، اقتصادي و سياسي جيد ًً مقتبس من النسخة الفرنسية لاعلان بيكين،ص.84.
تضيف نفس الوثيقة في محور الهدف الإستراتيجي : ً على الحكومات تقييم السياسات و البرامج من منظور مناصفة، بما فيها تلك السياسات المرتبطة باستقرار المؤشرات الماكرو-اقتصادية ًن. مر. ص.23.
موقع قضية المساواة بين الجنسين و نبذ كافة أشكل التمييز في الأجندة الأممية لأنطونيو غوتيريز 2018-2030:
إضافة لما سبق و أشارنا اليه بخصوص الاليات و المعاهدات الدولية المختصة بحقوق النساء و الجندرة، فمن المهم الإشارة أن الملف لا يزال يحظى بأهمية بالغة لدى المجتمع الدولي،حيث أن الأمم المتحدة لجعلت من قضية المساواة و تمكين النساء تحتل صدارة أجندتها الكونية التنموية في أفق سنة 2030، و التي يطلق عليها أهداف التنمية المستدامة أو الأهداف العالمية.إذ يهم الهدف الخامس الوصول الى : المساواة بين الجنسين. فيما يهم الهدف التاسع، القضاء و الحد من جميع التفاوتات.
أمام هذه التشعبات و الرهانات الأممية لملف التمكين السياسي للمرأة،و أمام هذا الوضع السياسي الذي لم يترك خطاب رئاسة الدولة التاريخي ل 30 يوليوز 2019 أي مجال للبوليميك و الجدال في شأن عدم قابليته للإستمرار،فان المغرب و هو يستعد للإحتفال بالذكرى التاسعة لصدور الفصول 19 و 31 و 164،و كذا 16 سنة عن صدور أو مدونة منصفة و بعد 25 سنة عن توصيات و التزامات مؤتمر بيكين، و كذا قبل 9 سنوات من انصرام أجل الأجندة الأممية للمناصفة، فإن المغرب أمام فرصة تاريخية للقطع مع عنف سياسي اقترف و لا يزال باسم تشريع انتخابي لا يساير لا التطورات و التراكمات المحققة في الملف.
في مركزية مشاركة المرأة في التدبير و الحكامة:
السياسة من منظور علم السياسة كما يعرفها أحد منظريها،الفرنسي ماكس فيبير،هي: ً فن قيادة الناس ً، و في سياقات أخرى،يعرفها على انها : القدرة و المهارة التي تمكن الفرد من جعل إرادته تعلو و تسود بين الأفراد.فهل نستطيع أن نقول أن المرأة تشارك حتى بواحد بالمائة في تصريف فعل ساس يسوس في المجالس الجماعية و الإقليمية و الجهوية و الحكومية …؟. طبعا سيصبح الأمر شبه مستحيل إن أخضعنا حتى المسيسات على قلتهن لبراديكم فيبير القائم على ممارسة السلطة و فرض الإرادة.
في المغرب، انطلاقا من بداية الألفية مع الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية مع بداية 2000، ثم تبني مدونة الاسرة سنة 2004، فالمبادرة الوطنية للتنمية البشرية فدستور 2011،يمكن القول أن التعاطي الحكومي مع مخرجات مؤتمر بيجين ظل تعاملا سطحيا و لم ينفذ الى الجوهر السياسي لهذا العنف التشريعي ز القانوني ضد المرأة.لقد بات جليا أن الجوهر السياسي لهذا الإقصاء قدم خير تفسير لمحدودية الأجوبة التقنية و الفئوية و السوسيو-اقتصادية المحققة( الحماية من تعسف الزوج و مكتسبات المدونة، المشاريع المدرة للدخل، المدرسة الجماعاتية كمدخل لمحاصرة الهدر المدرسي للفتاة القروية، محاربة الهشاشة و دعم المبادرة النسائية عن طريق تثمين سلاسل الإقتصاد التضامني،الخ).كل هذه التدخلات القطاعية المجربة يصعب الجزم بأنها حققت المأمول و غيرت جدريا وضعية إقصاء غير عارضة. إن الجرأة السياسية من الفاعل المؤسساتي و الحزبي تفرض الإقرار بأن وضعية المرأة المغربية تقدم تمظهرا و متنافيا لقرار و تصنيف سياسي و معياري متجاوز محليل و كونيا تجاه أكثر من نصف المجتمع.
مدخل تشريعي لوقف العنف السياسي ضد المرأة :
بعيدا عن المقاربات السوسيولوجية التشخيصية للمسببات الموضوعية للإقصاء السياسي للمرأة( عوامل ماكرو-سوسيولوجية: قوانين انتخابات،ميزو-سوسيولوجية: القوانين الداخلية للأحزاب و نظرتها للمرأة) أو الذاتية (عوامل ميكرو-سوسيولوجية: عزوف المرأة، نظرتها للعمل السياسي كمفسدة)، أعتبر أن المغرب أكثر من أي وقت مضى مطالب بنسخ و عصرنة مصدر العنف التشريعي ضد أكثر من نصف المجتمع، حيث لا يعقل بتاتا مثلا أن في سنة 2020 أكثر من 70 بالمائة من النخب و الأطر التي تكون في مدينة العرفان في كل التخصصات نساء و فتيات.إنه فعلا من المعيب أن نجد تلكم المهندسات في المعلوميات و التكنولوجيا و الزراعة و البيطرة و الصحافة و علوم المعلومات و الطبوغرافيا و الهندسة القروية و المدنية و الطب و الصيدلة و التربية و علومها والإحصاء و الإقتصاد و القانون و التعمير و الهندسة المعمارية، و على بعد كلمترات نجد أن الواقع المهني الحالي و المستقبلي لتلك الطاقات النسائية تؤطره بقوة الدستور و النص التشريعي المتهالك لجان يرأسها المعطي عن لجنة المياه و الغابات و المعادن الحاصل على مستوى شهادة الإعدادي و الحاج بوجمعة رئيس فريق و رئيس لجنة التجارة و الصناعة و التكنولوجيات –القديمة- و الحاج الديناصور رئيس لجنة ، و هو أيضا رئيس جماعة قروية و رئيس المجلس الإقليمي و رئيس المجلس الجهوي و مستشار شركة زوجته و حاصل على شهادة التعليم الإبتدائي سنة 1956. بالمختصر المفيد، يكفي للمغرب أن ينظر الى تجارب بلدان قلبت مؤشرات حكامتها و محاربة الفساد رأسا و سجلت مستويات نمو برقمين في وقت وجيز جدا، و كانت البداية طبعا من نص تشريعي و قانون انتخابات يفرض المناصفة. و لنا أن نستأنس بالتجربة البلجيكية الفتية التي بدأت في نفس اليوم الذي بدأنا فيه ورش المدونة، لتصبح اليوم الممارسة السياسية فيها من الجماعة الى أعلى منصب تذهل البلدان الأوروبية الأخرى. فهل يجعل أولي الحل و العقد من قانون انتخابي منصف أولى مداخيل و محفزات الإقلاع و النجاح لنموذجنا الحكاماتي-التنموي المنتظر؟
بقلم أنوار مزروب/ فاعل مدني و باحث في قضايا النوع و السياسات العمومية
الرباط في 12 يوليوز 2020


شارك بتعليقك

شاهد أيضا
اشتراك في القائمة البريدية
   

إشترك بالقائمة البريدية لكواليس اليوم لتتوصل بكل الجديد عبر البريد الإلكتروني