سعيد أمزازي، وزير السنة بامتياز

بقلم: لحسن امقران
أرخت التداعيـات غـير المسـبوقة لجائحـة كورونـا بظلالها على جميع الدول من حيث رهان حفظ صحة مواطنيها، التخفيف من الركود الاقتصادي ثم تجاوز المرحلة بكل تشعباتها بأقل الخسائر، وهي رهانات كبيرة تستلزم ضرورة امتلاك رؤية مستقبلية وتخطيط دقيق يقومان على مواكبة تطورات الوباء والجرأة في القرارات بناء وتنفيذا.
في بلادنا، وبفضل التعليمات الملكية السامية والمتبصرة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، لا يمكن أن ننفي المجهودات التي بذلت الحكومة المغربية في تنزيل الإجراءات الاستباقية والجريئة لمواجهة التداعيات الصحية والاقتصادية والاجتماعية لإنتشار وباء فيروس “كورونا” المستجد كوفيد -19، غير أنه وللأمانة، اتسمت القرارات الحكومية أحيانا بغير قليل من الارتجالية التي عكست غير ما مرة التفاوت الكبير بين أداء القطاعات الحكومية.
في هذا الصدد، سنحاول تحليل حصيلة وزارة التربية الوطنية التي تشرف على قطاع التربية والتكوين، لكونه من القطاعات، التي استطاعت لحد اليوم، تدبير الأزمة بشكل فريد، وذلك من خلال أربع محطات أساسية وفيصلية.
– التعليم عن بعد: في ظل انتشار فيروس كورونا، وجدت المنظومة التعليمية بالمغرب نفسها مضطرة لاعتماد التعليم عن بعد لكونها الحل الوحيد لاستكمال العملية التعليمية وعدم توقفها، لقد كان خيارا رغم طابعه الفجائي وليس اختيارا تستقيم مساءلة حصيلته بصرامة علما أننا -شئنا أم أبينا- سننخرط في اعتماد التكنولوجيا الحديثة في كل القطاعات الحيوية. لقد كان اعتماد الاستمرارية البيداغوجية خطوة مهمة وجريئة، رغم كل الإكراهات التي يمكن أن نتناولها بهذا الخصوص سواء ما تعلق بآليات التطبيق والمراقبة والتفاوتات الاجتماعية والجغرافية. عموما لا يمكن أن ننكر أن أداء الوزارة كان جيدا بالنظر إلى السرعة التي أعدت بها المضامين الرقمية والدروس المصورة وتوفيرها على قنوات القطب العمومي وعلى شبكة الانترنت، ويبقى التفكير في الطرق المثلى لإنجاح هذا النوع من التعليم مسؤولية مشتركة بين كل الفرقاء.
– امتحانات الباكلوريا: مرت امتحانات نيل شهادة البكالوريا لهذه السنة في ظرفية خاصة واستثنائية مرتبطة بجائحة وباء كورونا المستجد “كوفيد-19″، وفي ظل عام دراسي حمل “طابع الاستثناء”، فقد حضر هاجـس الوقاية والسلامة في جميع مراحل الإعداد والتنظيم، حفاظا على صحة جميع المترشحات والمترشحين وكافة المتدخلين في العملية من أطر إدارية وتربوية، عبر تنزيل “بروتوكول صحي” لم تتوقف عجلته عند حدود “التعقيم” و”الكمامات” و”أغطية الرأس” و”قياس درجات الحرارة” و”تهييئ غرف للعزل” في حالة اكتشاف أي إصابة مؤكدة، بل امتدت نحو خيارات أخرى “غير مسبوقة” في تاريخ البكالوريا المغربية، حيث تم الاقتصار في مواضيع امتحان البكالوريا على الدروس التي تم إنجازها حضوريا، قبل تعليق الدراسة، وهو الأمر الذي فرض استعجال تنزيـل “أطر مرجعية مكيفة” تحدد خارطة طريق المضامين المبرمجة في الامتحانات وما يرتبط بها من كفايات، وفرصة لتحديث الأطر المرجعية التي عمّرت طويلا، ثم التقليص من عدد المترشحات والمترشحين داخل القاعات من عشرين (20) مترشحا كما جرت العادة إلى عشرة (10) مترشحين، والانفتاح على القاعات الرياضية ومدرجات الجامعات، وهي فضاءات كان من الضروري اللجوء إليها حرصا على الإجراءات الوقائية والاحترازية، ويرتقب أن تحضر الهواجس الوقائية والاحترازية نفسها داخل مراكز التصحيح والمداولات على غرار مراكز الامتحانات. وكلها إجراءات أثبتت نجاحها بالنظر إلى نسبة نجاح إجمالية استقرت في 79.62 في المائة مقابل 77.96 في المائة في دورة 2019، مسجلة بذلك زيادة بلغت 1.66 نقطة مئوية.

– مباراة ولوج كليات الطب: حرصا منها على ضمان تكافؤ الفرص بين جميع المترشحين لولوج التكوينات في الطب والصيدلة وطب الأسنان، اعتمدت وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، هذه السنة، مقاربة جديدة في تدبير ولوج كليات الطب والصيدلة وكليتي طب الأسنان تنبني على أربعة محددات أساسية هي تنظيم مباراة مشتركة لولوج السنة الأولى في التكوينات في الطب والصيدلة وطب الأسنان عوض 11 مباراة التي جرت العادة على تنظيمها سابقا، اعتماد بوابة إلكترونية وطنية لتدبير جميع محطات المباراة المشتركة، تقريب مراكز المباراة من مقرات سكنى حاملي شهادة البكالوريا حفاظا على صحتهم وسلامتهم وأخيرا تخفيض عتبة انتقاء المترشحين لاجتياز المباراة المشتركة عبر توسيع قاعدة حاملي البكالوريا الذين تم قبولهم في الانتقاء التمهيدي. هذا وقد أشرف الوزير شخصيا على مواكبة العملية بل وقام بزيارة تفقدية صباح هذا اليوم لكلية الآداب والعلوم الانسانية بمارتيل للوقوف على سير المباراة المشتركة لولوج السنة الأولى من تكوينات كليات الطب والصيدلة وطب الأسنان العمومية والتي تنظم لأول مرة في بلادنا وفق هذا النمط.

– تدبير الموارد البشرية: خلافا للمواسم السابقة، تأخر عدد كبير من الموارد البشرية داخل المديريات والأكاديميات والمصالح المركزية في توقيع محاضر الخروج والاستفادة من العطلة السنوية، وذلك لتنزيل رؤية الوزارة في الإعداد الجيد للموسم القادم وضرورة إنهاء كل العمليات المرتبطة بتدبير الموارد البشرية، وهكذا تم الإعلان عن نتائج امتحان الكفاءة المهنية، ثم نتائج مباراة ولوج مسلك تكوين أطر الإدارة التربوية برسم الموسم 2020-2022 ، عطفا على نتائج تعيين خريجي مراكز تكوين المفتشين وأطر الإدارة التربوية وكذا الأطر التربوية الجديدة من موظفي الأكاديميات، وأخيرا نتائج معالجة طلبات الانتقال لأسباب مرضية وطلبات الاستفادة من المعاش قبل بلوغ سن التقاعد لعدم القدرة البدنية، كل ذلك استعدادا لإنجاح لموسم الدراسي المقبل.
بقي أن نشير إلى ما يوليه وزير التربية الوطنية للتعليم العالي من أهمية ولعل آخر حلقة من هذا الحرص، اجتماعه الأخير بمعية الوزير المنتدب المكلف بالتعليم العالي ورؤساء الجامعات للوقوف على التدابير المتخذة لإنهاء الموسم الجامعي 2019-2020 وكذا الجدولة الزمنية لإجراء الامتحانات ولا سيما بالمؤسسات ذات الاستقطاب المفتوح، ثم تحضير الدخول الجامعي 2020-2021 والمساطر الواجب اتباعها لتسجيل الطلبة الجدد وإعادة تسجيل الطلبة القدامى، إلى جانب تدارس النماذج البيداغوجية التي سيتم اعتمادها خلال الموسم الجامعي 2020-2021.
ختاما، لن ينكر نجاح السيد وزير التربية الوطنية في قيادة سفينة التربية والتكوين إلا جاحد، فقد كان السيد سعيد أمزازي من الوزراء القلائل في حكومة سعد الدين العثماني الذين أبرزوا عن علو كعبهم في إدارة أزمة كورونا من خلال اجتماعاته الكثيفة وقراراته الشجاعة، ثم مواكبته الشخصية لتنزيلها ميدانيا، وكذا حرصه على التواصل والتفاعل مع انشغالات الموطنين بشتى فئاتهم، وهو ما يجيز لنا أن نصفه بوزير السنة بامتياز !!!


شارك بتعليقك

شاهد أيضا
اشتراك في القائمة البريدية
   

إشترك بالقائمة البريدية لكواليس اليوم لتتوصل بكل الجديد عبر البريد الإلكتروني