الدخول المدرسي وأعتاب كوفيد التاسع عشر الدنيئة

بقلم عبدالله أطويل

بعد أن أعلنت الوزارة الإفراج عن أنمودجها وأطلقت صراح تصورها للدخول المدرسي، والذي علم منه الجميع أن الإختيار بين التعليم الحضوري والتعليم عن بعد أمر بات بيد الأسر. في ذلك اجتهد المجتهدون وفسَّر المفسرون وأسهب الراسخون في فقه التأويلات إلى الميل نحو تأويل مفاده أن الوزارة رمت الكرة في معترك عمليات الأسر وأولياء أمور التلاميذ، حسب تأويلات ومزاعم هؤلاء. تجنبا منا للسقوط سهوا في شبهة اللايقين، سنترك الجمل وما حمل من أسفار تضم بين طياتها لغة الإدعاءات، ونتلمس سبيل التحليل الموضوعي.

مباشرة بعد علمهم بتصور الوزارة، وإلى حدود ساعات قبيل اليوم الأول من أيام الذخول المدرسي، ويومه أيضاً، احتشد المحتشدون حشوداً، نافرين خِفافا وثِقالا مصحوبين باستمارات، تَبيَّن في ما بعد أنهم عزموا عزمهم وأعلنوا نيتهم في اختيار صيغة التعليم الحضوري، عارضين معرضين عن التعليم عن بعد لحاجة في نفس بعضهم، ولسخطة أو إَنْكة نغَّصت موغلة في صدور آخرين منهم، حتى تنطَّعَ بعضهم محرفا التعليم عن بعد إلى تسميته ب “التعليم من بعد”، وشردمة أخرى دبلجته لتحلوا لها نطقه ب”التعليم من التيساع” دون أن تغمض لها جفن.

صحيح، أن الوزارة أعلنت عن تصورها، واقترحت صيغة المزاوجة بين التعليم الحضوري، والتعليم عن بعد. أخرجت بلاغا في ذلك، ودبجت الخطوط العريضة لتصورها، حول الدخول المدرسي. بغض النظر عن مدى ملاءمته لخصوصيات وبنيات المدرسة والمجتمع المغربين. وإذا ما عمدنا لمزيد من غض النظر، فإننا سنصرف النظر أيضاً عن طرح إشراك أصحاب التخصص والشركاء من عدمه، ونتحاشى التفصيل فيه حتى لا يكون حديث ليل يمحوه النهار، لأن ذلك موضوعٌ مَثَله كمثل المستنقع الآسن، تحريكه برمي الحجر فيه لا يجدي نفعاً، غير شبهة الصيد في المياه العكرة.

من زاوية الخوض مع الخائضين تحت سقيفة هذا الموضوع، قد يحق لنا طرح بعض الأسئلة من قبيل مثلا، هل الوزارة وضعت تخطيطا يستجيب لذخول مدرسي آمن مع انطلاق موسم دراسي في عهد كوفيد التاسع عشر؟ ومادام الإختيار بيد الأسر، هل وكيف تم إعداد عدة تضع في رزنامة حسبانها حالة ما إذا اختارت الأسر عن بكرة أبيها صيغة التعليم الحضوري؟.
المتأمل في صيغة الذخول المدرسي سيلاحظ أن التعليم الحضوري صيغة اختيارية، لقاعدة تعتمد أساساً صيغة التعليم عن بعد، طبعا، نتحدث من دون الأخد بعين الإعتبار المؤسسات الموجودة جغرافيا في أحياء موبوءة، إذ هنا لا مجال لاختيار صيغة التعليم الحضوري.

بالأمس القريب، وخلال امتحانات الباكالوريا تم حدف الدروس المعتمدة بصيغة التعليم عن بعد، بعد تعليق الدراسة الحضورية، اعتراف بالتصريح دندنة ليس فقط بالتلميح همساً عن عدم نجاعته. واليوم يتم اعتماد هذا التعليم -التعليم عن بعد- كصيغة أساسية. كيف يمكن تفسير هذا التحول الراديكالي من السخط إلى الرضى؟ هل هو تحول مزاجي دلفاً لمخرج من مأزق بسن سياسة النعامة بالهروب للأمام ودس الوجه في التراب؟ أم أنه تحول بقناعة من دون در للرماد في العيون؟ وإن كان كذلك فكيف وأين ومتى ومن قام بالدراسة أو تفويت الدراسة لمكتب دراسة يمكن أن يرفع بتقرير يقر فيه نجاعة التعليم عن بعد؟

رغم مشاريع عدة ومسودات تحدثت عن المدارس الذكية وغيرها قبل سنوات، إلا أن واقع المدرسة المغربية يظل أبعد من البعد عن التعليم عن بعد. فإذا كانت مدرسة تحتوي على ربط بالإنترنت، ومدرستين تضم قاعات وسائطية مجهزة بحواسيب، فهناك مدارس في قلب الحواضر تفتقر لكل هذه الأمور، فما بالك بمدارس منتاثرة بين صفوح الأرياف وعلى تلال المدارش النائية، فلك أن تتصور حالها.

لأن الشيء بالشيء يذكر، فبين هذا وذاك صنعت الحكومة الحدث، وأبت إلا أن تدلو بدلوها في رحاب الدِّلاء. فليلة الذخول المدرسي وعلى غرار عادتها المفضلة وهوايتها في إخراج القرارات الليلية، تزيد حكومة الكفاءات طين الذخول المدرسي بمزيد من الماء. صحيح أن كورونا طوحت بطوائحها، وجعلت أخاك مكرها في اتخاد القرار لا بطل، لكن ذلك لا يدفع إلى إنكار الارتباك الذي حصل صبيحة أول يوم من الذخول المدرسي لسبب تسبب فيه قرار ليلته، خصوصا بالمؤسسات التابعة ترابيا لعمالات الدارالبيضاء، التي تم إعلان إغلاقها ليلته نفسها. لك أن تتخيل أسرة لم يصلها خبر قرار إغلاق المدرسة، فقط لأن القرار صدر في الليل، وتنفيده في اليوم الموالي. فلا عجب أن تمسي نائماً على قرار، وتستيقض على قرار نقيض، بل العجب كل العجب أن الحكومة التي تصدر هذه القرارات الليلية تدعى بحكومة الكفاءات. فمنتهى العجب أن لا تصاب بالذهول متأسفا، وا أسفاه على الكفاءات.
بالاقتصار على مؤسسات تنتمي لمدينة تم إعلان إغلاقها ليلة الذخول المدرسي، فإذا ما تحدثنا عن دخول مدرسي من دون ارتباك، فإننا بقصد أو من غير قصد، نكون بصدد تغطية الشمس بالغربال لا غير.

صحيح، بل يقين أن الوزارة أعلنت عن بروتوكول صحي صارم، من تعقيم وتباعد، إلى تنظيم للزمن المدرسي تماشيا مع وضع فرضته حالة وبائية وطوارئ صحية. من المؤكد أن الذخول المدرسي في عهد كوفيد 19، تم، ويتم وفق تدابير صحية احترازية، كما تنص على ذلك المذكرة الوزارية 039-20. ومع ذلك قد ينتابنا هاجس الخوف كل الخوف الذي يذفعنا لطرح السؤال التالي، هل سيتم وسيستمر إحترام هذا البرنامج الاحترازي وفق حدافره الدقيقة من دون هامش للتهاون ليس فقط في الأيام الأولى، بل مع مرور الأيام والأسابيع؟

كثيرون كانوا إلى وقت قريب يرون أن الحل هو تأجيل موعد الذخول المدرسي، حتى قيل في رواية والعهدة على الراوي بأن الدخول المدرسي يتسم بنوع من المجازفة، نظرا لواقع وبنية المدرسة من جهة وخلفيات وعقليات السواد الأعظم من المجتمع من جهة ثانية. وفي رواية أخرى قال آخرون بأن الكل يمني النفس بذخول مدرسي آمن. بعيدا عن مد البساط الأحمر أمام كوفيد التاسع عشر، ودبح القرابين على أعتابه الدنيئة.


شارك بتعليقك

شاهد أيضا
اشتراك في القائمة البريدية
   

إشترك بالقائمة البريدية لكواليس اليوم لتتوصل بكل الجديد عبر البريد الإلكتروني