تقاسم المرح بين الانسان والحيوان

بقلم : محمد حسيكي

الانسان والحيوان مخلوقات كونية تنسب إلى الاحياء البرية من كوكب الارض، التي تجمع أجناسا مختلفة منها الأليف والوحيش والمتوحش .

غير أن الانسان يجد راحته ومتعة أوقاته مع الحيوان الأليف، الذي يأويه من جانبه، منه من يشغله في العمل، ومنه يستعمله في الانتاج وتكثير الأعداد والأنواع، ومنه من يستعمله للحراسة والترفيه المنزلي، ومنه ومنه، إلغ ذلك .

واشتهر من حيوانات المنزل القريبة جدا إلى الانسان، الكلب الأليف المهذب والوفي لصاحبه، يتقاسمان الطعام والمرح والشراكة في الخدمة والدفاع عن بعضهما البعض، من الاخطار التي تهددهما إن مست واحدا منهما مست الآخر، من العلاقة المتميزة الخاصة والمؤتلفة بينهما، من عقل الانسان، والتربية على السلوك اللائق، والخدمة المبتغاة من الحيوان .

ومن علاقة الانسان والحيوان نسوق نموذجا لعلاقة طبيعية من بيئة قروية بين فتاة متمدرسة، وكلب الحراسة المنزلية .

الكلب :

حيوان أليف للإنسان، يصارع الذئاب المفترسة للخراف، والثعالب المتربصة بالدجاج، كما يوقظ صاحبه بالنباح من أي حركة لمتحرك من وقت الحركة أو السكينة، عاش إلى جانب الانسان من قرب، من عصر الغاب، إلى عصر الفضاء مع الكلبة لايكا الروسية، حين فارق الانسان حياة الغابة خرج وإلى جانبه الكلب الوفي، من عصر حياة الانسان بالكهوف، أو من الحياة التجريبية عصر صعود الانسان بأحياء الكوكب الارضي إلى الفضاء، من تجارب علمية، تدفع بالعقل البشري إلى السمو بالحياة الجديدة من فضاءات أخرى خارج المجال الارضي.

ومن قرب الكلب إلى الانسان، سمى كل الفصائل الخلوية بالكلبيات، كالذئب والثعلب وأيضا من قرب الكلب السلوقي الخاص بمطاردة الطرائد البرية من الغاب، من بين الشعاب والمرتفعات .

وقديما قالت العرب : خرج الانسان وكلبه معه من عصر الغابة، وترك المتوحش منه بها، ومن الطريف الخفي في حياة الكلب، أنه كان لوقت نباتيا، قبل أن يتحول مع الانسان إلى طاعم ولاحم، إذ لازال إلى عصرنا، حين يشتد به الجوع من وقت الزمهرير، يقتات من فروع الاشجار كقوته من عضم اللحم، أو كما يحصل للثعلب حين يتغذى على الربيع من فصل الخضرة، لسد الرمق من الجوع .

و أنواع الكلب كثيرة أغلبها يعيش في يابسة البرية، وأوحدها يشتغل مع الانسان من المناطق القطبية الشمالية .

وعصر العلوم الاحيائية طور الانسان اللقاحات الانجابية لأجناس هجينة، وعديدة من أنواع الكلاب كيفها ووظفها في خدمات متفرقة، كما أنشأ مدارس تكوين لأنواع من الكلاب، على مهام خاصة .

ومن العرب التي اشتهرت بعلاقات متميزة مع الكلب عرب كليب، وهو كلب الترحيب الخاص من البيوت العربية، باستقبال الضيوف الوافدين على الأهل، حيث يستقبلهم بالمداعبة الجانبية، وبالرقص أمامهم، حين يشار عليه من صاحبه وهو معه .

واشتهر من عرب كليب بهذا النوع من الترحيب العرب المرحبيين، أو كما يعرفهم الاوربيون من اسم المورهوبيين، كما اشتهر منهم إبن الكلبي، الشغوف اللعوب بالغناء، والجيد الأداء . إذ حضر يوما من حضرة الأمير.

وبعد إعجاب من أدائه الفني أدبا وطربا، سأله، يابني ما حالك والاسم ذا، أنت ابن من ҁ فأجاب أنه ابن هاو هاو، فضحك الأمير، وقال : أطربت السماع مرحا، وفي الاسم قدر من العلم وليس شتم من القبح، فدخل سجل ديوان العرب من اسم ابن الكلبي .

ولم يقتصر الاسم على ابن الكلبي، بل تعداه إلى أهله وذويه من عرب كليب .

وعند عرب كليب أنهم حين يخرجون إلى رحلة صيد جماعية، وتنصرف الكلاب من مناطق الغاب في بحثها عن الصيد، باستخدام حاسة الشم لتعقب رائحة الطرائد، تستطرد الجموع في محاكاة الكلاب من رفع الاصوات حين الغناء بالهوهوة، تذكيرا من زمن كليب وعند جرير أن إبن عوعو، كان ينشد ويغني من غير آلة، وإلى جانبه كلبه الذي يستأنس به وينصت إليه .

ولما أحس المغني باهتمام الكلب بالغناء، راح ينشط سماعه بالعوادة : la Flûte، مما أيقظ الكلب من سبات الاصغاء وراح يردد مع صاحبه المغني، العواء عند تقاطع الفواصل الغنائية، عو عو .. هو هو، إلى أن يسمع مقاطع الغناء ثم يصمت لدور صاحبه .

وعصر صناعة الآلة الموسيقية، ابدع الانسان آلة القصبة الموسيقية من عواء كلاب الرعي التي تصطاد الذئاب بالصوت الذي يحاكي صوت الذئاب، لإيقاعها في شراك الصيد، من تربصها بالخراف .

ومن شدو الراعي بالقصبة سماها العوادة التي تعود إلى الحياة الأولية، وتشتغل بالنفس والأنامل اليدوية، لإمتاع الحس السماعي من الأذن البشرية .

وعصر ألعاب السوارق لا تخلو تلك الألعاب الممتعة من دور لكلاب الزينة، التي تؤدي أدوارا مرحة من الفرجة القابلة للمشاهدة .

كلب الاسرة :

اشتهرت الاسر القروية من تربية الكلاب لحراسة البيت، والقطيع، والاستخدامات في الصيد والبحث عن الطرائد البرية .

وعصر التمدرس وتعميم التعليم من الحواضر والبوادي المغربية، اكتسبت هيناء الطفلة القروية التي تعيش بين أحضان الطبيعة، من حياتها التعليمية بالمدرسة، معارف من الرفق والمعاملة الانسانية مع الحيوان، إلى جانب حياتها اللصيقة بالوسط الطبيعي مع النبات والحيوان، مصدر الحياة الزراعية، والرعاية المكتسبة من الموروث الطبيعي الذي يستمد استمراريته من الطبيعة .

كانت هيناء من خلال دراستها التمهيدية، ترى من بيت أهلها حيوانات مختلفة وأليفة للإنسان، ومع بعضها من حياتها المكتسبة مع الانسان، الذي آلف بينها من اللاحم والعاشب .

وحين درست ازدادت علما، وأغنت الموروث التربوي المكتسب من الحياة في الطبيعة بالمعرفة العلمية، مما جعلها متميزة بالبيت في علاقتها مع الحيوان .

ومن عشقها التربوي للحيوان احتضنت بالتربية من بيت أهلها جروا صغيرا، أسمته : أجي، اتبع خطواتها حين جولتها يوما بالحقل الزراعي، بعد أن رمى به أحد المزارعين بعيدا لإتلافه عن البيت .

كان الجرو أجي، في حالة رثة متسخة يغزوها الذباب الجائع العرن، لم تستطع امساكه بيديها، بل كانت تمز نحوه بشفتيها وتدعوه أجي، كي يتبعها نحو البيت، وما أوسع حالا عليه يوم لقياها، سار يتبع خطاها إلى أن وصلت البيت .

وبعد أن أطعمته، أحضرت الماء وسهرت على تنظيفه، وتضميد جراح الذباب من جسمه، مما أراح جسمه، وأطال النظر منه حولها من جميل صنعها نحوه، والذي وطد روابط العلاقة اليومية معها .

كانت هيناء كلما عادت من المدرسة تجده في استقبالها، والترحيب بها من كعب القدمين إلى الشد من بدلة المدرسة، تلقاه بالابتسامة ويلقاها بالترحيب .

وكلما فرغت من واجبها المدرسي بالبيت، راحت تقضي وقتها في مداعبته، وفك العزلة من غيابها عنه .

وهكذا حين كانت تداعبه صغيرا من فناء المنزل، كانت تأخذ نعل رجلها وتداعبه من هنا على رأسه ومن هنا من على فكيه ووجهه، ثم ترمي بها بعيدا، فيسرع لاتباعها، وتنادي أجي، أجي، فيأتيها بالنعل، ثم يطرحه أمامها،…… وهكذا استمر الحال على المرح والاستئناس مع بعضهما ، كلما طاب الوقت لهما .

وذات يوم قام الجيران بدعوة الاسرة لقضاء وقت معهما بالبيت، كما يجري عليه العرف العائلي، وحسن الجوار البشري .

وهنا حضر أجي، حين رؤيته الاستعدادات وقت خروج الاسرة لتلبية دعوة الجيران، إذ ذاك لم يرى بدا من مصاحبتهم خطوة بخطوة دون أن ينتبه إليه أحد منهم .

وحين دخلوا بيت الجيران تقدم معهم، ولزم الوقوف عند النعال، إذ صار الجمع في تبادل الاحاديث وقسمات الضحك الهادرة، إلى أن حضر الطعام، وهم الجميع بالأكل دون الاهتمام جانبا .

وبعد أن أعياه الانتظار دون الحصول على شيء، من يد الجمع، لا كسرة خبز، ولا كديد عضم من اللحم، راح يشتم النعل، إلى أن عثر على نعل هيناء، فأمسكها بفمه مزدوجة في غفلة من الجميع، وراح عائدا إلى منزل الاسرة المحتضنة له عائدا بالنعل إلى البيت

وما لبث أن انفض الجمع، وصارت كل ذات نعل تنتعل نعلها، إلا هيناء لم تجد نعل رجليها، الشيء الذي دفع الجيران وضيوفهم يستغرقون الوقت بحثا عن نعل هيناء، فإذا بهم لم يعثروا له على أثر، وعلامات الاستغراب بادية على الجمع .

وبعد طول عناء من البحث، قدموا لها نعلا تنتعله إلى حين وصولها إلى البيت .

وماهي إلا خطوات حتى وصلت العائلة إلى بيتها، فوجدت أجي عند مدخل المنزل، إذ راح يداعب هيناء لوحدها ويرحب بها من وسط أسرتها مرحا بعودتها من الضيافة التي أنستها شهيتها في الرفقة المصاحبة لها .

وما أن دخلت البيت وأهلها، فإذا بها تلمح النعل أمام بوابة البيت من وسط المنزل، فاندهشت من أوصل النعل، فأدركت الاسرة أن ما كانت تمرح به هيناء مع أجي صغيرا، مرح به معها من الكبر .


شارك بتعليقك

شاهد أيضا
اشتراك في القائمة البريدية
   

إشترك بالقائمة البريدية لكواليس اليوم لتتوصل بكل الجديد عبر البريد الإلكتروني