مدى ادماج نظام الوساطة الأسرية في مدونة الأسرة

بقلم: رضوان سند

الوساطة بارتكازها على التصالح والتسوية الودية للنزاع ليست غريبة عن ديننا أو قوانيننا الوضعية لذا نتساءل عن
– مدى مشروعيتها في نصوص مدونة الأسرة؟ (الفقرة الأولى)
– وهل حان الوقت لتقنينها؟ (الفقرة الثانية).

– الفقرة الأولى: مشروعية الوساطة في مدونة الأسرة
يعيش العالم مند عقدين من الزمن تقریبا نهضة قانونية في مجال البحث عن الحلول البديلة لفض المنازعات بسبب عدم قدرة معظم الأنظمة القضائية مسايرة تطور القضايا نظرا لنقص في الموارد المادية والبشرية اللازمة لمواكبة التطور الهائل في عدد القضايا، ومن أهم ما تم التوصل إليه كحل لهذه اللازمة القضائية هي ما يسمى بالوساطة.
وبالرجوع لمقتضيات مدونة الأسرة يتبين أن المشرع كان واعيا بمدى أهمية تسوية النزاع قبل فك الرابطة الزوجية إذ أن مسطرة الصلح هو إجراء جوهري في جميع دعاوي الطلاق باستثناء التطليق للغيبة وذلك حفاظا على كيان الأسرة، غير أن المشرع المغربي ألم يشر بشكل صريح إلى الوساطة مما تبقى معه المسألة غامضة وقابلة لأكثر من تأويل فهل النصوص المؤطرة للصلح تسمح الأخذ بالوساطة؟ أم أن الأمر يحتاج إلى تنظيم دقيق؟
– فالقراءة الأولى تذهب في اتجاه عدم الأخذ بالوساطة لأن المادة 82 من م.أ جعلت إجراءات الصلح يقوم بها القاضي أو ينتدب لذلك الحكمين أو مجلس العائلة أو من تراه مؤهلا ولم تشر إلى أية وساطة بخلاف التشريعات المقارنة نظمت هذه المؤسسة بشكل مفصل.
– أما القراءة الثانية فتذهب في اتجاه الأخذ بالوساطة وتستند على الخطاب الملكي الذي ألقي بمناسبة افتتاح الدورة البرلمانية ل 10 أكتوبر 2003 والذي استعرض أهم مستجدات مدونة الأسرة ولقد جاء فيه ما يلي:
” لقد توخينا، في توجيهاتنا السامية لهذه اللجنة، وفي إبداء نظرنا في مشروع مدونة الأسرة، اعتماد الإصلاحات الجوهرية التالية:
سادسا: جعل الطلاق حلا لميثاق الزوجية يمارس من قبل الزوج والزوجة كل حسب شروطه الشرعية، وبمراقبة القضاء، وذلك بتقييد الممارسة التعسفية للرجل في الطلاق، بضوابط تطبيقا لقوله عليه السلام: « إن أبغض الحلال عند الله الطلاق»، وبتعزيز آليات التوفيق والوساطة ” .
ويتبين من خلال قراءة الخطاب السامي أنه أعطى مؤشرات الإعمال نظام الوساطة، هذا إلى جانب أن المشرع أعطي للقاضي صلاحية انتداب كل من يراه مؤهلا لإجراء الصلح بين الزوجين المتخاصمين.
فهل يمكن اعتبار هذه الإشارة تمهيدا ضمنيا لإعمال الوساطة الأسرية بالمغرب؟ أعتقد بأن الأمر يحتاج إلى تدخل تشريعي يحدد الإطار القانوني للوساطة الأسرية والشروط الواجب توفرها في الوسيط، والمهام المسندة له، والإجراءات اللازم إتباعها من طرف الأطراف، وكيفية إشراف القضاء على هذه المؤسسة وغير ذلك من التفاصيل على غرار ما هو معمول به في الدول الأوربية وخاصة العربية منها.
بحيث أن مفهوم الوساطة في النموذج الغربي يعني أنها عملية غير رسمية يقوم بها شخص ثالث محايد وليست له سلطة فرض الحل وذلك المساعدة الطرفين المتنازعين لتسوية الخلاف، وهي لا تعني الصلح الاستمرار العلاقة الزوجية بل تنصب أساسا على تنظيم الأمور بعد الانفصال خاصة فيما يتعلق بالحضانة والنفقة والزيارة واقتسام الأموال والحفاظ على أدوارهم الأبوية بعد الفراق، وهذا المفهوم يتعارض مع مفهوم الوساطة في ثقافة المجتمع المغربي والذي يعتبر الوساطة وسيلة التحقيق الصلح لاستمرار الحياة الزوجية والحفاظ على الروابط العائلية و إصلاح ذات البين لإبقاء التماسك الأسري بعد تذويب نقاط الخلاف من خلال حوار هادف يحدد الحقوق والواجبات لكلا الطرفين.
وبهذا نخلص بأن الوساطة ليست بالشيء الجديد مادمت أنها وسيلة من أجل الصلح فهو شيء متأصل في شريعتنا الإسلامية وثقافتنا الاجتماعية وأعرافنا وعاداتنا، لذا فهي قابلة للتطبيق ببلادنا لكن ذلك يتطلب اتخاذ عدة تدابير على رأسها توعية أفراد المجتمع عامة وأفراد الأسرة خاصة بأهمية اللجوء إلى الوسائل البديلة لحل نزاعاتهم، إضافة إلى ضرورة تقنين نظام الوساطة في نصوص قانونية واضحة ومفصلة خالية من الغموض وغير قابلة لعدة تأويلات.
– الفقرة الثانية: ضرورة تقنين الوساطة الأسرية
إن الدين الإسلامي يحبذ الصلح و يدعو إليه كما أن المشرع المغربي وعيا منه بأهميته نص عليه في عدة قوانين سواء المدنية منها أو التجارية أو الجنائية.
فهناك مؤشرات سواء الواردة في نصوص مدونة الأسرة أو في الخطاب الملكي أو على الصعيد العملي كلها تصب في اتجاه الأخذ بالوساطة، ولهذا يتعين اتخاذ عدة تدابير:
– تقنين الوساطة بشكل دقيق وخالي من الغموض ومن الأفضل العمل بنظام الوساطة القضائية في المرحلة الأولى إلى حين توفير العنصر البشري المؤهل والظروف المادية وتوعية المواطن بأهميتها كحل بديل.
– وضع إطار قانوني خاص بالوسطاء ينظم هذه المهنة والشروط اللازمة لممارستها من مؤهلات علمية وعملية وكيفية إشراف ومراقبة القضاء على هذه المؤسسة.
– إنشاء معهد وطني لتكوين الوسطاء في مجال الأسرة مع الأخذ بعين الاعتبار أن يكون تكوين شامل يجمع مابين هو قانوني واجتماعي ونفسي.
– تنظيم زيارات للبلدان التي تمارس فيه الوساطة للاستفادة من الجانب العملي كمصر التي بلغت نسبة النجاح في فض النزاعات إلى 70% والولايات المتحدة الأمريكية بلغت إلى 80 % حتى 95% من نسبة القضايا المعروضة على الوساطة.
– إنشاء مكتب أو أكثر لتسوية المنازعات الأسرية بدائرة اختصاص كل محكمة ويكون تحت إشراف وزارة العدل التي تعين مقر مكاتب التسوية سواء داخل المحكمة أو خارجها وإجراءات تقديم طلبات التسوية وطريقة التمويل.
– من الأفضل إعادة النظر في مبلغ المصاريف القضائية بما فيها أتعاب الوسيط وذلك بتخفيضها لتشجيع الأطراف اللجوء إلى الوساطة.
– إحداث المجلس الاستشاري للوساطة الأسرية على غرار ما هو معمول به بفرنسا لمواكبة تجربة الوساطة الأسرية وتفعيل كل الاقتراحات المتخذة في هذا المجال.


شارك بتعليقك

شاهد أيضا
اشتراك في القائمة البريدية
   

إشترك بالقائمة البريدية لكواليس اليوم لتتوصل بكل الجديد عبر البريد الإلكتروني