الماء قبل الغذاء

بقلم : محمد حسيكي

الماء عنصر طبيعي من عناصر الحياة، وحيوي من عناصر الغذاء، ومن ثمة كانت له الأولوية في تحضير الغذاء، عند الفرد وعند الجماعة، انسجاما مع المثل الدارج على اللسان المغربي : من استسهل العرس فليحضر له مائه، إذ لا يكتمل فرح المغاربة إلا بوجود الماء .

وفي الدين الاسلامي، وجعلنا من الماء كل شيء حي : أي نعمة الحياة الكونية، فالله تعالى أنعم على الارض بالحياة من وجودها داخل الفضاء البحري، ترتوي منه عذبا من باطنها، وآخر سحبا من فضاء بحرها المتحرك من دورانها بالذوبان من التجمد، كمروحة عذبة تجري بالسحب، من خفة إلى حيث تثقل، وتنزل حملها مطراعذبا مما اصطفت، وما يدري البحر ولا الارض كيف اهتزت وارتوت، إذ في ذلك حولا وفصولا .

الماء والطبيعة :

حين يكون الماء تكون الطبيعة، ومن الحياة الكونية تزاوج الماء والطبيعة، وحين ينعزلان تتراجع الحياة، إن لم تنعدم، مصداقا لقول الله تعالى وجعلنا من الماء كل شيء حي، من توفر الماء على أحياء، والطبيعة على أحياء ,

أما إن كان البحر ميتا، فإن الطبيعة من حوله ميتة، وإن لله في خلقه شؤون من السماء والارض .

فترات الجفاف :

هي الفترات التي يعاني فيها أحياء المناطق الشبه الجافة، من نقص في نزول الامطار الموسمية من وقتها، حيث ينعدم وجود النبات ومنه ينعدم الغذاء، وتمر فترة الامطار دافئة غير ممطرة، او قارسة الرياح خالية اللقاح، مما يجعل الأجواء غرارة غير مدرارة

وهو ما يعني اجتفاف المدار الفضائي من السحب المطيرة .

ومن اجتفاف الفضاء تغور المياه الجوفية من باطن الارض، وتصبح المياه الغائرة عرضة لغزو من الحشرات المائية من علق العطش، والتلوث من البخش المتهافت على طلب الماء، إذ الماء له الأولوية من الغذاء، لدى الجماد، والنبات، والحيوان، والانسان .

وفي عصرنا ترجع الأبحاث العلمية ارتفاع موجات الجفاف، إلى النشاط البشري الذي يتسبب في الاضرار بالطبيعة، من جذب في جهة، وصواعق مدمرة في جهة، والافراط في الاستهلاك الزائد والغير المنظم للمياه بالمدارات الحضرية .

تدبير المياه :

التدبير هو نوع من الوفرة لمواجهة الحاجة، لنأخذ مثلا من الدين، قول الله تعالى لمواجهة العسر باليسر : من لم يجد منكم ماء فليتمم صعيدا طاهرا، وأيضا توفر القدرة على الاستطاعة، من تحمل المشقة في الحج، من طريق السفر، ومن الحاجة إلى الماء في منطقة جافة، كان الماء يدبر فيها من موسم الحج بطرق من الحكمة، يسهر عليها سلاطين وأمراء من السقاية المنظمة .

وبالمغرب عهد تنظيم المسيرة الخضراء، أول ما فكر فيه الملك الحسن الثاني، من التدبير لمواجهة حاجيات المسيرة، توفير الماء للمتطوعين، إذ اعتمد تقديرات حاجيات الفرد، من المصالح الصحية التي حددتها بخمس لترات يومية للشرب .

كما احتار لنزول جموع المسيرة جانب الساحل البحري، لتجنب المشاركين في المسيرة حرارة المناطق الجافة، واختار من الشهور شهر نونبر من أواخر فصل الخريف، المقبل على فصل الشتاء المنحدر الاعتدال من وجهة الاستواء، والمعتدل الرياح من الجهات القطبية .

ومن ثمة نجحت المسيرة وحققت أهدافها قبل الوقت، ومن غير معاناة من العطش ولا من الحرارة الجهوية الجافة ، وكذا من العوامل المناخية المتقلبة بالمنطقة .

لذا فإن عامل مواجهة الجفاف ليس في وفرة الغذاء، من وقت الحاجة إلى الماء، بل في المحافظة على الماء وتدبيره بالطرق السليمة من بعد، والتي تجعلنا في منأى عن الأزمة من وقت اشتدادها، كي نتجنب مساوئ الظرفية والتي قد تخطرنا كمن ترك الحبل منسابا على القارب دون مربط من وتد شاطئ النجاة .


شارك بتعليقك

شاهد أيضا
اشتراك في القائمة البريدية
   

إشترك بالقائمة البريدية لكواليس اليوم لتتوصل بكل الجديد عبر البريد الإلكتروني