في ذكرى وفاة محمود درويش شاعر الجرح الفلسطيني

سلام التميمي / العراق

شاعراً تراقصت أشعاره في الحب تارةً, والحرب تارةً أخرى, شاعراً من أبرز شعراء العصر الحديث, وقد أثر بالفعل في الشعر والشعراء في عصرنا الحالي, يعتبر واحداً من أبرز شعراء المقاومة, ولم يكن مهماً على صعيد الأدب الفلسطيني فحسب, بل كان صوتاً شعرياً مميزاً في الشعر العربي المعاصر, فهو أحد أبرز شعراء القرن العشرين وأكثرهم شهرة وتجديداُ وعملاً في القصيدة الشعرية المعاصرة, وقد جال بشعره بين عدة دول حول العالم, وجال بجرح الوطن ثم عاد ليدفن بأرض الوطن, ولد الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش في الثالث عشر من شهر آذار من عام 1941, في قرية الرواه في جبل الجليل القريبة من ساحل عكا, لأسرة تتألف من ثمانية أطفال خمسة أولاد وثلاث بنات, وبعد هجوم قوات الأحتلال الأسرائيلي على قريته عام 1947هرب مع أسرته الى جنوب لبنان, وأستقر هناك لمدة سنتين, لتعود العائلة مجدداً الى الجليل متخفين عن أنظار الأحتلال ليجدوا قريتهم مدمرة, فأتجه مع عائلته الى قرية دير الأسد حيث كانت أنذاك حاضنة للاجئين الذين عانوا من فقدان بطاقة أقامة شرعيه فيها, وفيها بدأ بدراسته الأبتدائية, رحلت العائلة بعدها الى قرية أسمها الجديدة تمكنوا هناك من أمتلاك منزل وهناك ألتحق محمود درويش بإحدى المدارس لأتمام المرحلة الثانوية في حيفا, بدايات محمود درويش في الشعر كانت مبكرة جداً, حيث بدأ في كتابة الشعر في المرحلة الأبتدائية وكان يقترن شعره في المرحلة الزمنية التي يعيشها والمرتبطة بعمله وأقامته وتنقلاته بين الأماكن, ساهم من خلال شعره في تطوير الشعر العربي الحديث وأدخال الرمزية فيه متأثراٌ بشكل كبير بأشعار نزار قباني, وقد ساهم في أكتشافه الشاعر اللبناني ( روبير غانم ) عندما بدأ ينشر قصائد لمحمود درويش على صفحات الملحق الثقافي لجريدة الأنوار.
نال من خلال أعماله وأشعاره الكثير من الجوائز وفي مقدمتها جائزة البحر المتوسط في عام 1980, ودرع الثورة الفلسطينية, ولوحة أوروبا للشعر في عام 1981, وجائزة الأدب من وزارة الثقافة الفرنسية في عام 1997, أنتسب درويش الى صفوف الحزب الشيوعي الأسرائيلي وعمل من خلال هذا الحزب في الصحافة كمحرر ومترجم في صحيفة الأتحاد ومجلة الجديد التابعتين للحزب نفسه, تعرض درويش خلال هذه الفترة لعمليات أعتقال متتالية بسبب نشاطاته المعادية للأحتلال, بالأضافة الى تصريحاته ورأيه السياسي, كان أول أعتقال له في عام 1961 ومن ثم في أعوام 1965و 1966 و 1967وآخرهم عام 1969, وتم فرض الأقامة الجبرية عليه من قبل الأحتلال عام 1970, من أشهر قصائده وأعماله في تلك الفترة ( عاشقٌ من فلسطين ) و ( آخر الليل ), حاول محمود درويش السفر خارج الديار لكن محاولاته باءت بالفشل وتحديداً عام 1968 عندما رفضت فرنسا دخوله الى أراضيها وإعادته الى بلاده, لكن القدر أبتسم أخيراً لشاعر المقاومة وأستطاع السفر الى روسيا وكان أنذاك طالباً في معهد العلوم الأجتماعية أقام هناك سنة واحدة ومن ثم سافر الى القاهرة وبقي فيها سنة أيضاً, وعمل في نادي كُتاب الأهرام, وأتجه بعدها الى لبنان, حيث تعتبر لبنان واحدة من أهم المحطات في حياة محمود درويش حيث كانت فترة ذهبيه له سواءً في مجال الأدب أو السياسة, وأقام في لبنان في الفترة الممتدة من 1973 حتى 1983, من أهم أعماله في تلك الفترة ( وداعاً أيتها الحرب وداعاً أيها السلام ), وعمل في لبنان في منظمة التحرير الفلسطينية, وأسس أيضاً مجلة الكرمل التي أصدر منها 89 عدداً حتى بعد سفره من لبنان, وصدر العدد 90 منها بعد وفاته حيث خصص هذا العدد ليحمل سيرة حياته, بعد أندلاع الحرب الأهلية في لبنان ودخول القوات الأسرائيلية إليها عام 1983, حيث كانت هذه الفترة من أصعب الفترات التي عاشها درويش هناك, حيث كان يلتجأ للنوم في مطعم خوفاً من وقوعه في قبضة الأسرائيليين, تمكن من الهرب الى منطقة الأشرفية ثم الى سوريا ومنها الى تونس حيث أستطاع أخيراً الوصول الى فرنسا, وأن الفترة التي قضاها محمود درويش في فرنسا هي الأكثر تأثيراً على مسيرته الشعرية, فالبعض يراها ولادة حقيقة له في الشعر ويعود ذلك لما وجده درويش في فرنسا من جمالاً وهدوءاً وبيئة خصبة للتأمل والتفكير, أستمرت أقامته هناك قرابة العشر سنوات وأصدر فيها العديد من الأعمال وأهمها ( ذاكرة للنسيان ) و ( عابرون في كلام عابر ) و ( أحد عشر كوكباً ) والعديد من القصائد, مع مطلع العام 1995 أتجه درويش الى عمان وتميزت هذه الفترة في حياته بالفترة الذهبيه لأعماله, حيث لاقت أعماله نجاحاً مستمراً, وجد فيها البيئة المناسبة للتفرغ لأشعاره, وطرح عدداً من الأعمال الشعرية المشهورة جداً مثل ( لماذا تركت الحصان وحيداً ) و ( سرير الغريبة ) و ( جدارية ) و ( في حضرة الغياب ) و ( أثر الفراشة ), أما عن حياته العاطفيه فقد وقع محمود درويش في غرام فتاة يهودية عرفت هذه الفتاة بأسم ( ريتا ), لكن هذه العلاقة أنتهت عام 1967 وكان سبب أنكسار هذا الحب بينهما هو ألتحاق ريتا بخدمة الجيش الأسرائيلي, وقد كتب درويش حينها من أشهر قصائده ( ريتا والبندقية ) و ( شتاء ريتا الطويل ) وأفصح فيها عن حقيقة هذه العلاقة في مقابلة تلفزيونية مع الصحفية الفرنسية ( لور إدلر ), حيث أكد درويش أن هذه العلاقة حقيقية لكنه تكتم عن أسم الفتاة وتفاصيل العلاقة مبيناً أن أسم ريتا مستعار, وبقيت حقيقة ريتا التي أحبها درويش أمراً مجهولاً وغامضاً حتى عرض الفيلم الوثائقي ( سجل أنا عربي ) للمخرجة والمصورة أبتسام مراعنة الذي عرض في مهرجان تل أبيب وفاز بجائزة الجمهور, والذي كشف أيضاً أن أسم ريتا هو ( تمار بن عامي ), وبعد لقاء معها في محل أقامتها في برلين تحدثت عن لقائها الاول مع درويش حيث كان عمرها أنذاك ستة عشر عاماً, وكان ذلك في أحدى حفلات الحزب الشيوعي الاسرائيلي الذي كان درويش أحد أعضائه, حيث كانت تعمل راقصة قبل تجنيدها في الجيش, تزوج درويش مرتين الأولى من السيدة ( رنا قباني ) عام 1977 وهي أبنة أخ الشاعر الكبير نزار قباني, حيث تعرف عليها في أمسية شعرية له في أمريكا, لكن هذا الزواج لم يستمر لأكثر من أربعة أعوام ثم أنتهى بالطلاق, ثم تزوج بعدها من السيدة ( حياة الهيني ) سيدة مصرية كانت تعمل في الترجمة وذلك في منتصف الثمانينيات عندما ألتقاها مصادفةً في فيينا, ولكن أيضاً لم يستمر زواجهما طويلاً وأنفصلا, ولم يحظَ العاشق السيئ الحظ كما يقول في أحدى قصائده بولداً من زواجه في المرتين, توفي محمود درويش صباح التاسع من أب من عام 2008 بعد أزمة قلبية حادة أودت به الى عملية قلبٍ مفتوح في الولايات المتحدة الامريكية في المركز الطبي في هيوستن, والتي دخل في غيبوبة أدت الى وفاته بعد أن قرر الأطباء في المركز نزع أجهزة الانعاش عنه بناءاً على وصيته بعد أن وجدوه قد كتب على قصاصة ورق ( أنا أعرف أن صراعي مع الموت بأن الموت سينتصر ), لينقل جثمانه الى فلسطين وبالتحديد مدينة رام الله في الثالث عشر من أب ويدفن في قصر رام الله, الذي أصبح أسمه فيما بعد بقصر محمود درويش, تاركاً خلفه أكثر من ثلاثين ديوان شعرٍ وثمانية كتب, حيث كان درويش أجمل هدية قدمت للشعر العربي الحديث, خدم قضية شعبه وحمل فلسطين في قلبه, وخصها بأغلب قصائده, حيث كانت أشعاره لاتعجب السلطة, حيث قال أنذاك مدير الأذاعة في الجيش الأسرائيلي ( ليبر مان ) أن أشعار درويش تشبه كتاب كفاحي لأودلف هتلر .

 


شارك بتعليقك

شاهد أيضا
اشتراك في القائمة البريدية
   

إشترك بالقائمة البريدية لكواليس اليوم لتتوصل بكل الجديد عبر البريد الإلكتروني