أصوات انقرضت سمعا من اللغة

 

بقلم : محمد حسيكي

اللغة هي تحويل الصوت البشري بالنطق إلى مفصل ومركب، جهرا بالقراءة، ورسما بالكتابة، تحافظ للإنسان على وظائف حواسه ونطقه من اللسان، ومنطقه من الكلام، الذي يفيد بالحس نطقا وبالدلالة معنى .

من هذا التقديم نقول، أن اللغة لم تنقرض، لكن أصوات بشرية ناطقة بحروفها انقرضت، لأن الحياة على الأرضية تغيرت، من زراعة موسمية، إلى فلاحة مسقية، ساهمت في قطع مساحات الرعي بالمجال على القطيع الذي تحول من الرعي بالطبيعة، إلى العلف بالحظائر الخاصة .

ومن تم جاءت ذكرياتي عن الحياة الموسمية في الطبيعة، إذ تذكرت يوما كنت أتابع فيه أصوات بشرية، لها دلالة لغوية يتعامل بها الانسان، مع البعيد بالصوت، ومع القريب بالنطق، كالآلة التي تدفع بالإشارة الصوتية، وتترجم استقبالا باللغة، ذاك ما كان بالوسط الطبيعي قبل أن يصبح عملا فنيا بالوسط الآلي .

الوسط الطبيعي :

خلال مرحلة الطفولة، من وقت العطلة الصيفية، غالبا ما يقضي الأطفال، وقتا من فصل السنة، إما بالتخييم من المناطق الساحلية، للاستمتاع بالشمس من المناطق الفضائية، أو المناطق الجبلية، للتهوية المنعشة من أعالي البرية، التي تعشقها النفس من أهاليها، مع العائلة بالمناطق القروية .

كانت وقتها الحياة الطبيعية جميلة في أعين الساكنة الحضرية، التي ترى فيها الجديد عن المألوف من الوسط الطبيعي، الذي يحتضن الأنشطة البشرية، من زراعة، وكسب ثروة حيوانية، ومجاري مياه، و ظلال أشجار تقي الانسان والحيوان والطير من وقت القيض الصيفي .

الحاجة إلى الماء :

الماء عنصر أساسي للحياة بالأرض وهي تحتاجه من البرية للنبات من فصلي الشتاء والربيع، بينما الانسان والحيوان يحتاجه من فصل الصيف، وهو فصل النشاط العام من السنة بالمناطق القروية، وفصل راحة واستجمام من المناطق الحضرية، لتكامل الأنشطة الحضرية والقروية وإن تختلف أزمنتها .

لذلك كانت عطلتي الصيفية أحب أن أقضيها بالوسط العائلي من الحياة البرية، حيث يشتد الطلب على الماء من وقت الضحى إلى ما بعد الظهر، إذ الآبار الارتوازية العاملة بالطاقة الريحية، التي خلفها الأمريكيون والتي توفر الماء دون أي جهد بشري، بينما الآبار الجوفية تحتاج إلى جهد الانسان والحيوان، لجلب الماء من العمق إلى السطح .

كنا في الغالب نجتمع أطفالا للاستئناس جنبات البئر إلى جانب الكبار، حيث بعد فراغ البئر من الأشغال المائية، نترصد للفراخ التي تأتي وقت القيض لترتوي من التدفق الماء، وليلا للأرانب والقنافد .

لكن الذي كان يشد انتباهنا والاستئناس به فيما بيننا، هو حين يأتي الفقيه صالح للبئر لجلب الماء إلى قطيع الغنم، وسماع رقة طلاقة صوته، ذلك أنه حين يلمح ابنه بمنطقة الرعي وراء القطيع، على بعد ميل، بينما الآخر يترقب صيحة أبيه للاقتراب بالقطيع، إذ بعد أن يعد منتصف الحاجيات المائية بالصهريج، يشرع في المناداة على الابن بالصوت العالي مع رفع اليد، ووضع أخرى جانب الفم، ليطلق الصوت بالحرف : ويو ….. ويو …. ويو… . والنداء ذا، من الصوت حرف من اللغة، يسمى واو عمرو، وهو عند عرب الوبو من الكتابة ويو بالتصغير ، نسبه من الكتابة إلى عمرو بن عاصم، الذي تتلمذ على ورش، بعد أن كان ورش قد جمع قراءته من نافع عن عاصم، إذ كانت الإمامة تؤتى بالقراءة .

ومن مرجعية العنوان، أصوات انقرضت، ليس من التجديد اللغوي الجاري بين الأجيال، بل من الحياة بالوسط الطبيعي، لأن الآبار البرية من الجفاف جفت، ولأن القطيع من محل الرعي، أصبح يتقاسم الخبز علفا مع الانسان، وتحول الرعاة مع قلتهم إلى العمل بالأجر اليومي، بدل الحصول على نسبة الربع خرافا وصوفا من الانتاج الموسمي عن العام الفلاحي.

لكن من أين يضرب الجفاف المغرب! هل? من القرن الافريقي! أم من الصحراء الكبرى? أم من ارتفاع حرارة مياه المحيط الأطلسي? المغرب يتأثر بالمدار المناخي الذي يربطه بالبحر الابيض المتوسط من جهة الشمال القطبي، والمدار الأطلسي المرتفع بين القرن الافريقي وجزر الآصور مع الصحراء الكبرى. كون المدار المناخي بين القرن الافريقي والصحراء الكبرى يجري من تيار مدار النطح الحاد بين الجهتين، المختلفتين من المدار المناخي .


شارك بتعليقك

شاهد أيضا
اشتراك في القائمة البريدية
   

إشترك بالقائمة البريدية لكواليس اليوم لتتوصل بكل الجديد عبر البريد الإلكتروني