الجمهور الرياضي المغربي والسلوكيات المشينة

الصادق بنعلال

1 – يفترض أن تكون الرياضة في مختلف تجلياتها، إنجازا ثقافيا بالغ الأهمية يجنح إلى زرع بذور القيم والمبادئ الإنسانية الرفيعة، كما أنها لقاء دوري منتظم بين المتنافسين المحليين والدوليين، يقدم الأداء الفني الممتع على أرضية الملاعب، ويعرض المشاهد الفرجوية الراقية في المدرجات من أهازيج وأغاني ولوحات تثير الإعجاب. والواقع أن الرياضة المغربية حققت في الآونة الأخيرة مكتسبات قيمة سواء تعلق الأمر بوفرة المركبات الرياضية عالية الجودة، أو بالنتائج الممتازة التي أضحت نوادينا ومنتخباتنا تقطف ثمارها في عديد المناسبات. وعلى صعيد المساندة الجماهيرية والتشجيعات الاستثنائية، لا يسعنا إلا أن نؤكد على الشهرة الإقليمية والدولية للأنصار والفصائل العاشقة لرموزها في الدار البيضاء وطنجة وفاس وأكادير والرباط..

2 – وفي المقابل يمكن القول بأن هذه الجماهير الرياضية والكروية تحديدا تقترف خطايا لا تشرف الإنجاز الثقافي المغربي، بل تعرضه وبدرجة كبيرة إلى شتى مظاهر الضعف والهزال والسقوط الأخلاقي. جميل أن نتوجه إلى المدرجات في كل مقابلة رياضية بأعداد غفيرة، وننخرط في مساندة نوادينا المفضلة في مناخ حضاري سليم، وجميل أن نبدع في نظم الأغاني وصوغ الأناشيد الحماسية، ورفع الصور والأعلام والتيفوات ذات المغزى الوطني والإنساني الهادف، لكن من الخطأ الجسيم الاعتقاد بأن مثل هذه الأشكال المؤازرة كفيلة لوحدها بإضفاء طابع الحركية والجمالية والمتعة المطلوبة، بعيدا عن الالتزام المأمول بقواعد وضوابط الروح الرياضية السامية، حيث لا قيمة ولا فائدة إطلاقا من تشجيع جماهيري تصحبه ممارسات عدائية وألفاظ بذيئة وهتافات عنصرية وعرقية، والعبث بالممتلكات العامة من قبيل الإضرار بالكراسي والمستلزمات الكهربائية والتصويرية، وإلحاق الأذى بسيارات الغير وإشعال الحرائق هنا وهناك خارج الملاعب..

3 – وما اقتحام الجمهور المغربي أرضية الملعب الإسباني بعد انتهاء المقابلة الودية التي جمعت المنتخبين المغربي والشيلي، إلا نقطة في بحر الشغب الذي لا يراد له أن ينتهي. وإذا كانت هذه البلطجة غير المقبولة ستستمر في تشويه الصورة الإيجابية، التي نسعى إلى ترسيخها في المشهد الرياضي الوطني والعالمي، فإننا نفضل إقامة منافسات كرة القدم على وجه الخصوص من دون “جمهور”، فمكانة المغرب وسمعته أولى من أن يعرضها “قاصرون وراشدون”، يشكون من سوء التربية، ويعيثون “في الأرض فسادا”. إن الرياضة كما تمت الإشارة إلى ذلك، ممارسة فنية وجمالية بالغة النبل، تنزع في اتجاه استنبات قيم المحبة والأخوة والتسامح والتضامن، وهذا المبتغى يستدعي تدخلا عاجلا وراجحا للأطراف ذات الصلة من مسؤولين في قطاع الشباب والرياضة ورجال السياسة والإعلام والتعليم والأمن من أعلى مستوى، وأن تُفعَّل القوانينُ الزجرية المتوفرة أصلا لقطع دابر الهمجية والعبث اللامحدود، وإلا سنظل ندور في حلقة مفرغة مليئة بالعراقيل التي تمنعنا من الارتقاء واللحاق بالدول المتقدمة والمحترمة.

 


شارك بتعليقك

شاهد أيضا
اشتراك في القائمة البريدية
   

إشترك بالقائمة البريدية لكواليس اليوم لتتوصل بكل الجديد عبر البريد الإلكتروني