لماذا عجز النظام الجزائري عن العثور على بديل لبوتفليقة؟

 

قد يتعجب الكثيرون من تعنت النظام الجزائري في الاستجابة لمطلب يبدو سهلا وممكنا للجماهير، ويفضل عوضا عن ذلك التمادي في اطالة امد الاحتجاجات والمغامرة بأمن البلاد التي تقترب يوما بعد يوم من شفير الهاوية ومجاهل الفوضى. هذا الرفض يخفي وراءه أزمة حقيقية على مستوى مراكز القوة التي تحكم الجزائر من وراء ستار حديدي يتميز بالغموض والتعقيد، اذ ان الأعمدة التي اقام عليها بوتفليقة دعائم حكمه تتوزع بين طبقة العسكريين ورجال المخابرات وأقارب الرئيس وبارونات المال والاعمال وأخيرا السياسيين وهم الحلقة الأضعف في هذه السلسلة٠

 

 وبالتالي فنحن امام مجموعة من السلطات وليست سلطة واحدة مركزة، وهي تدير كلها مجتمعة شؤون الدولة من مواقعها الأمنية والسياسية والاقتصادية والإدارية، لكنها في الوقت نفسه لا تملك احداها سلطة اتخاذ القرار منفردة. كما ان هذا النوع من الأنظمة الذي تعود ان يعيش مدة طويلة بلا راس يفصل في النزاعات ويحدد المسؤوليات ويتمتع بإجماع عام، يصبح من العسير عليه ان يقبل برئيس جديد حتى ولو كان من داخل العصبة، رئيس يتمتع بالصلاحيات الدستورية التي تجعله سيدا عليهم بل ومتحكما في مصائرهم.

 

 هذا سيجعل العصبة في مرحلة من مراحل الحكم وعندما يثبت الرئيس الوافد أقدامه في السلطة عرضة للملاحقات القضائية بسبب الفساد المالي والصفقات المشبوهة والاختلاسات الضخمة التي تورطت فيها العصبة الحاكمة في دولة يقوم اقتصادها على صفقات النفط والغاز، وهذا هو ما يجعل النظام الان الذي تأخر كثيرا في حسم مصير بوتفليقة وسقط في فخ التسويف مغترا بسياسة اسكات الجماهير من خلال دعم المواد الاساسية وتقديم قروض بلا فائدة للشباب وخطة اسكان واعدة للمقبلين على الزواج، اضافة الى استيعاب الدولة لجيش من الموظفين العموميين وقبول عشرات الالاف في أسلاك الجيش والشرطة، ذلك قبل ان تهوي أسعار النفط الى الحضيض بعد 2014 وتتهاوى معها احتياطات الدولة من العملة الصعبة من 174 مليار عام 2007 الى 92 مليار عام 2017 ويتقلص دخلها من عائدات النفط بشكل حاد من 74 مليار عام 2004 الى 24 مليار عام 2018وتتفاقم البطالة الى ما فوق 12 في المائة في حين بلغ عجز الميزانية 10 في المائة من الناتج المحلي الاجمالي. 

 

كان من المفروض ان يقوم النظام بعملية اعداد الرئيس التوافقي إبان انتخاب بوتفليقة في العهدة الرابعة، فبات يجني يوم خطأ التسويف وعدم العمل الجاد على صقل الواجهة السياسية على الأقل بوضع نائب رئيس كان سيكون بمثابة طوق نجاة في مثل هذه الظروف، وبات النظام يحتاج الى مزيد من الوقت للملمة نفسه وبناء موقف موحد بين أطراف المعادلة، وهذا ما جعلهم يقدمون بوتفليقة لعهدة خامسة ووعدوا بانه سيتخلى عن الحكم في مدة سنة والإعلان عن انتخابات مبكرة، وهي الفترة التي سوف يتم فيها التوافق على رئيس جديد يضمن لجميع الأطراف حصانتها من الملاحقات القضائية ويكون صديقا لجميع مراكز القوة. لكن هل ستمهلهم الاحداث المتسارعة ذلك؟ وهل ستكون احتجاجات الجمعة القادمة بداية الصعود الى الهاوية؟.

 

شارك بتعليقك

شاهد أيضا
اشتراك في القائمة البريدية
   

إشترك بالقائمة البريدية لكواليس اليوم لتتوصل بكل الجديد عبر البريد الإلكتروني