أوراد ملحمية (الجزء الثالث)

وهنا يهطل سكوناً مريباً
ودوت من حولنا صيحة قبيحة
صيحة قبيحة مرعبة جلجلت الأرجاء ..
قفزت حبيبتي مرتعدة من مهد أرجوحتها..
وقد سال الدمع منها فياض..
و انقطع وحي التغاريد ..
وتوقفت ريشتي عن السيل ..
هرعت إليها وحضنت وجنتيها ..
برفق أناملي ومسحت دمعها..
بحنين شفاهي ودثرتها برمش العين ..
وهجعت الى جوارها ..
وهجع الصمت في موضعنا ..
وإذا بالصيحة الغبراء تعود ..
عادت تجلجل الأرجاء ..
بصوت غراب قبح وجه الغربان ..
فبرأت منه .. وحلمت أن تبرأ منه الامة..
ففي كل أمة غربان الرجس
غربان الرجس وبوم النحس
وفي أمتي نحس يتطهر بالرجس ..
صاح ذاك الغراب القبيح يقول ..
أفيقي أيتها الأمة وانهضي..
أفيقي قطعانك وايقظي الخيال لنحتفي ..
لقد غفت الإمبراطورية الأمصفوية
وفي زهو غفوتها قَصفت عطارد وزحل
قًصفت عطارد بالنووية على عجلٍ.. أجل
نعم قصفته اليوم .. وغدا تقصف زحل ..
وأسقطت جموع شعبه الأعزل صرعى..
يا للهول.. كل ذلك وهي غارقة في نومها
ماذا لو فاقت.. ماذا لو صدقت ماذا لو صلُحت
آآآه .. وآآآآآه .. وآهات .. وقرون آهات وألم
ومثلها كون من الآهات يا أمة وهم …
لا.. أيها الحاقد لا.. لقد قصفناه وانتصرنا ..
وغدا نقصف المريخ وزحل..
وسنستعيد مستعمراتنا في الأندلس
وفي الصين وكوكب الأرض قريبا جدا ..
هلموا نحتفل بالنصر عليهم ..
فالجيش الغافي قد زف البشرى ..
زف البشرى لجلالته فأفرط وثمل ..
وهل يعقل .. كيف يفرط الغافي ويثمل ..
أجلٌ أجل.. فكما فعل الأولى الثانية فعل ..
لقد فعل وكذلك الرعية على الشاكلة تفعل..
ولتثمل رعية الإمبراطور فقط ..
فلتثمل رعيته فقط فهي المنتصرة…
فلتثمل بنخب النصر أربعين يوما..
ولتفق أربعيناً أُخر..
لتثمل تسعون بعدها..
ولتسترح أربعون أُخر وتثمل..وتثمل
وتثمل عاما بعدها وتفق أربعون يوماً أُخر..
وتثمل دهرا بعدها.. وتمضي زاهيةٌ!! أجلٌ ..أجل
وتستمر الفتوحات والنصر للسكارى ..
النصر للسكارى.. نصراً حتى الثمالة..
نصرا يُلبِسُ العار لأهل كوكب الزُهرة..
نصرا ينكل بهم وبما يدعون..
وتستمر الانتصارات..
وتستمر الاحتفالات على سيرها…
هكذا رسموها.. هكذا رأيتها..
هكذا رسموها.. وهكذا رأيتها..
وهذه صورة من صور الحقيقة تزهو..
صورة من صنع بغي نثرتها الغربان..
نثرتها الغربان وباتت أوكاراً للبوم..
أوكاراً للبوم .. ونحس يرافق أمة
أمة حقيقتها عليلة وعلتها الوهم..
حقيقتها عليلة وعلتها الوهم.
وفي الوجه الآخر في النورِ..
حقيقةٌ أزلية…
رغم حصار الغربان ونحس البوم
حقيقة النور لا زالت مشرقة..
من بغي الأدعياء.. من هول النكبة
شحب وجهي وغارت ذاتي في سحيقها..
وباغتني من دثرته برمش العين يحويني..
وبدفيء الروح يرمقني …
قالت أيا فخري.. ما قاد إليك نعيقهم ..
جميل صنعك في الأرجاء يزجرهم
ومداد حبرك اللامرئي يرعبهم
وطهرنا طهر القلوب يسحقهم
وفيض حبي لك مع الأيام يفنيهم
ذاك حبك ..
هذا عشقي مع الأيام نفنيهم
وفي عناق هامت فيه الروح مع العقل..
غرقنا في عالم الجمال بعيداً بعيداً حتى الفجر.،
بعد إرتواء رسم النور خيطه على الأرض..
وقد طلت الشمس من موضعها مظلمة..
وبوقع خطوات واثقة انطلقنا..
انطلقنا معا لنرى رعيتهم..
تلك الرعية المحتفلة فوجدناها صرعى..
ثملةً مغطاةً بالرجس مؤطرةً فيه..
وقد أظلمت عليهم الشمس..
أظلمت عليهم وشحت ..
شحت و شاحت عنهم بنورها غاضبة..
و أوحت إلينا أن إلى مواضعكم ..
فرجعنا إلى مواضعنا.. الى مخدعنا ..
هلكتنا الصدمة.. وخارت قوانا
هلكتنا الصدمة من هول نهضتهم..
نهضة الغافلين في سحيق سكرهم..
هذا ما رأيناه وغادرنا ..
غادرنا .. وغادرنا بؤسهم
وحل الظلام على تلك الرعية خلفنا..
وآوينا إلى مخدعنا وفيه..
وفيه سكنا في سكون كأن لم نكن
ومضينا إلى لا شيء إذ لم نكن ..
هربت من سكوني مفجوعا ..
فلقد أثارني صمت حبيبتي..
كنت قد عشقتُ الحقيقةِ يا بشر
أثارني صمت الحقيقة حبيبتي..
لقد هالها ما رأت وما ادعوا..
وهل من حقيقة غيرها يا ترى؟
أوجهاً آخر للحقيقةِ يُصنعُ ؟
نعم هذا ما جرى.. للحقيقة وجهان..
وجه للبوم وللغربان .. ووجها آخر..
وجه حبيبتي ذاك وجهُ الحقيقةِ يَلمعُ..
ذاك وجه الحقيقة يُضيئُ ويَلمعُ ..
أمسكت بوجنتيها أنهضُ بها..
هلمي إلى الدفء ..
هلمي إلى فناء النور منزلنا..
هلمي فانت النور ولن تبقى غير صورتك ،
وغدونا وصمتُ الجمالِ زينتنا .. ومضينا
حتى إذا اصبحنا وجدنا الشمس ..
من نور حبيبتي مشرقةً دافئة
تحضننا ..تحتوينا تؤججنا وتشعلنا ..
تشعل وميض نور الحواس الكامن فينا..
بدت وكأنها موجهةٌ إلينا بنورها
الينا .. إلى الأنصار إلى أهل العهد ..
إلى أُناس يتطهرون بالنور قبل الماء ..
وفي المساء ودعتنا على أمل ..
ودعتنا وتراجعت؛ ودفعت إلينا بالقمر..
تراجعت ودفعت إلينا بالقمرِ ..
ينسابُ سريعاً متراقصاً بالضياء..
وكأنها من أمر بحضوره المهيب أمامنا ..
ليتجلى حافلا مواسيا ..فناجيناه بحبنا
ناجيناه ولسان الحال يقول
تجلى من عليائه بأبهى طلعةٍ
ممطرا علينا بوابل من الآمال يروينا
ناجيناه بجميل لحنٍ وطهر المضامينَ
وبكينا حال من حل عليهم الظلام خلفنا
ومجدنا إيمانا زاهيا فينا حولنا
ومجدناه مكللاً بيقينٍ قائمٍ فينا
مضينا وتركناهم في عارهم خلفنا
ترفرف رايات عوراتهم عالية
وراياتنا بيض بالطهر زاهية
أبدية تخيم على الآفاق منيرة
منيرة بالعهدِ والنورِ قائماً فينا
ودعناه والحب يملأنا
ودعناه والخير هادينا
وملاحم الحب نشوتنا
وشعاع النور ماضيا فينا…
… … يُتبع
د.محمد الموسوي / كاتب عراقي


شارك بتعليقك

شاهد أيضا
اشتراك في القائمة البريدية
   

إشترك بالقائمة البريدية لكواليس اليوم لتتوصل بكل الجديد عبر البريد الإلكتروني