بقلم : محمد حسيكي
الطيور أحياء متميزة الأعداد، من الأشكال والألوان والأحجام، وهي على نوعين : منها المجنحة وهي التي تمشي على الرجلين، وتلوح بالجناحين، كما تقفز بهما من غير أن تحلق، ومنها التي تلوح بهما من غير قفز ولا تحليق .
ومنها ذات الجناحين، وبهما تحلق وتطير في الأجواء، من وقت النهار أو وقت الليل، أو من الليل والنهار .
والطيور منها القارة، التي لا تحيد عن بيئتها، ومنها الموسمية المهاجرة التي لا تتعدى حدود مداراتها، منها الفضائية التي لا تسعى إلى الحياة إلا ليلا، وتختفي عن ضوء الشمس بالمناطق المظلمة نهارا، ومنها الشمسية التي تنفتح رؤيتها نهارا، وتنغلق ليلا، ومنها المتكاملة الرؤية من النهار والليل .
منها البرية اللاحمة ومنها النباتية، منها الأنيسة المغردة ومنها الكواسر المفترسة، ومنها القناصة، ومنها من تقتات على جثث، وتبتعد عن جثث، وهو ما يعني أنها تميز في تغذيتها، بين ما هو طيب لها من التغذية، وما هو جرثومة منفرة لها .
منها من يستوطن الظلال من الأشجار، ومنها من يستوطن أعالي الجبال، بعيدا عن الأنظار، ومنها من يعيش بالسهول والمجاري، والأحراش المتحجرة، منها المائية التي تعيش بالبر، ومنها القطبية التي تعيش بالبحر، ومنها الساحلية التي تعيش بالبر وتقتات من البحر كطيور النورس .
طائر النورس :
هو فصيل من طير البر، منفتح على فضاء البحر، يعيش ويتغذى على الأسماك، التي تسبح من السطح بالساحل البحري، يركب البحر من هدوءه، ويتربع على تلويح أمواجه، وكلما تدافعت أمواجه يبتعد إلى البر، بينما يأخذ الطير راحته حين يعود الموج إلى أعماقه .
النورس طائر يجمع لونه، بين زرقة البحر وزبده من البياض، ذو عينين ضوئيتين، يقتات على أسماك السطح بالمياه الساحلية، أليف للبحارة حين يمتطي القوارب الراسية، إذ يرسو من مناطق رسوهم، بعد العودة من إبحارهم، ويهب لاستقبالهم بالرفرفة من أجنحة السلامة على البوابة، حين المجيء محملين بحمولتهم، يحف بالحركة الجارية جنبات المراكب، حين تفريغ البحارة حمولتهم السمكية .
يقضي النهار على الشاطئ، ناعما بالهواء الرطب والسمك الطري والشمس الدافئة، ويروح بالليل ساكنا إلى مأواه، أفرادا وجماعات .
البحر والطير والطبيعة :
البحر فضاء سطح مائي تحت سطح الارض، يعج بالأحياء منها الخاص بالأعماق، ومنها التي تسبح من السطح، كالتي يتغذى عليها طائر النورس .
كان البحر قبل أن يدخل عبابه الانسان، بقوارب ومراكب الصيد البحري، يرمي بالأعداد السمكية من الوفرة البحرية، على الشاطئ حين تدافع أمواجه، حيث تقع في الوحل بين الرمال الشاطئية، وأحراش صخور الموج المخرمة .
وعهد تطور التغذية البشرية من المنتوجات البرية، إلى الأحياء البحرية، ركب الانسان البحر وتعاطى الصيد للحاجة الغذائية، والصناعية، والتجارية، مما استنزف الخيرات الساحلية البحرية، وعرضها إلى التراجع إلى الأعماق، من فرط النشاط البشري، ولم يعد طائر النورس الذي كان يتغذى على ما تلفظه الأمواج، من اسماك على الشاطئ، يجد ما كان يجود به البحر، على أحياء البر، إذ صار الطائر الوديع يتراجع نحو مصاب الأنهار، ومراسي رسو مراكب الصيد البحرية، عل الانسان يجود بما يسد رمق الطير .
أثر الطبيعة البشرية على التغير الغذائي :
ترتبط الطبيعة من أحيائها على كوكب الارض، بالمدار الفضائي من مدار بحري ومدار بري، غني من جهة، وفقير من جهة، ومتأرجح بين مد وجزر من مناطق وجهة .
كما عند الانسان من البر والبحر، عند الأحياء من البر والبحر، من مدار الطبيعة بين جهة وأخرى، إن جاد الله جاد الكون من عطائه، وإن لم يجود الله، حاد الكون عن عطائه، وتلك طبيعة الله في خلقه، من الكون ومن غيره .
من التغير الطبيعي بالعطاء المنظم الناتج عن الحركة الكونية، تأتي الوفرة في الغذاء، وتتراجع من أوقات أخرى، كما الشأن من حياة النورس الغذائية، الذي ولى بعض أعداد منه عن جهة البحر، نحو جهة فضلات الانسان .
النورس طائر شاطئي من بيئته، لا يجوع منها ولا يظمأ، إلا إذا نفذ ما في البحر، وهو ما سار يطفو على البيئة، ويبرز بالأثر على السطح من الأحياء، وعلى عمل ونشاط الانسان بالبحر، الذي أضحى مهددا بالاجتياح البشري الذي يدمر الغابات من البر، والثروة السمكية من البحر، إلى جانب التلوث الذي يقذف مخلفاته من البر ومن عرض البحر، وهو ما يؤثر بالسوء على الحياة من البر والبحر .
ومن مضرب المثل ما نراه جليا، في تغذية النورس الذي يعيش من أطلال الحواضر الساحلية، التي تطور معمارها واتسع من مجال حضري عهد العصر الزراعي، إلى مجال عمراني بالعصر الصناعي الملوث، وظهور النفايات من أشكال مختلفة الملوثات، بين الصلبة والسائلة المضرة بالفضاء الطبيعي، من السطح البري والبحري معا، إلى جانب الغازية المضرة بالغلاف الجوي، التي تحول سحب الأجواء المدرة بالأمطار، إلى سحب عقيمة جوفاء فارغة المدار .
وهكذا نرى طائر النورس، كيف تحول في تغذيته من الشاطئ مصدر الغناء بالأسماك، إلى حاويات الأزبال من الحواضر وفضاءات المطارح، بحثا عن قوته لسد رمقه، وحال الأوساخ البرية بادية على مظهر جسده، بعد أن كان ناصع الهيئة نظيفا طاهرا بالأجواء البحرية، من سكون متحرك بالهواء والأمواج والأحياء، يمرح بالتغذية والماء وقت هدوء أمواجه، ويستدفئ بالشمس المشرقة عليه من ضيائها، محبب النظرة من طلعة هيئته، يحرس البر ويستلقي من البحر يعمر شاطئه بالاصطفاف سربابا حوله، ناعما بالماء والغذاء والحياة على رطوبة الأمواج .