الديموقراطيون الانتقائيون.. بين حرية التعبير ومزاعم التشهير

لا زال الاعلام المحسوب على قطر في المغرب يحاول أن يلعب على الصور التي تنتشر للاسلاميين فتجعلهم أمام حقيقتهم وتسقط أقنعتهم الاجتماعية تباعا ، والحق أن سلاح الصورة بحد ذاته لم يكن ليسقط اسلاميا بقدر ما تسقطه ازدواجيته ونفاقه وانتهازيته الصارخة.

فالإسلاميون باتوا هم أنفسهم ضحايا الايديولوجيا التي اقتحموا بقوتها المدمرة الحقل السياسي، وأرادوا أن يظفروا بخصال الملائكة دون أن يحاسبوا على الممارسات التي يصفونها في محاضنهم الدعوية بالشيطانية و اللأخلاقية. إنها تداعيات الأخلاقوية الايديولوجية وليس ما يسميه البعض التشهير. الصور ليس لها إلا وقع المكاشفة والعرض، أما التأويل الانتقائي فيبقى عندما يضع مدعي التشهير السياق في إطار حرب مع الدولة، ويأبى – بكل ما أوتي من قدرة على خداع نفسه واحتقار الرأي العام – أن ينفي أي تعارض مع المزاعم الخطيرة التي يدعيها الاسلاميون في العلن ويخالفونها في حدائقهم الخلفية. 

فكما تتمتع الراهبة بامتيازات الرهبنة نظريا، ومكانة اجتماعية مبنية على قداسة المظهر، عليها أن تصبر على سقفها العالي الذي يتعدى طاقة البشر عمليا. عندما يضبط قسيس في ملهى سريبتيز فإنه يصبح خبرا حقيقا بالنشر ويكون الشذوذ في التكتم عليه تحت يافطة التشهير، فالمثير في الخبر ليس في كونه رجل يلهو في مرقص، فهذا لن يكون أمرا يستحق النشر، ولكن في كونه قسيس حصور يمارس الصلاة والتعميد نهاراً والمجون والخلاعة ليلاً.

وعندما ترشَح دونالد ترامب للرآسة لم تترد أكثر الصحف والقنوات الامريكية انتشارا ومصداقية من نشر فيديوهات فضائحية له، كذلك الفيديو الذي يهين فيه النساء ويتكلم فيه عليهن بألفاظ خليعة، ناهيك عن فضائحه المتتالية مع بائعات الهوى والاتهامات التي توجهها له وسائل الاعلام بالاغتصاب والعمالة للروس، بل وتحدثوا حتى عن علاقته  الملتبسة بكريمته ايفانكا… لم يقل أحد إن هذا تشهير، ولم تزل الديموقراطية تسقط السياسيين بسبب تناقضاتهم بغض النظر عن استفادة الخصوم السياسيين، لأن الكل مقتنع هناك بأن ثقافة الديموقراطية لا تتجزأ، وأن حرية الاعلام مقدسة في وسط ليبرالي يكافح التقليدانية، مهما كانت الدوافع المفترضة التي تبقى مجرد تكهنات.

وهكذا تتلون طبائع الاستبداد التي لم يكتب لها أن تحكم قبضتها على المجتمع، بحيث عندما يكون التشهير بالمخزن هو الطريق إلى النضالية والاسترزاق وكسب الدعم الخارجي، تكون تلك الأساليب مطلوبة ومن صميم حرية التعبير، لكنها عندما تقع على الاسلاميين يتحول الأمر  إلى تشهير واغتيال معنوي بدعوى “الإزعاج” التي باتت عصا سحرية لكل أفاق مخاتل خارج عن القانون، يكفي أن يُخلع على أحدهم وسام “الإزعاج” حتى يصير متمتعا بكل الحقوق في خداع المجتمع والاستمرار في بيعه الوهم. 

هذا الذي نراه الآن من محاولة حثيثة لتكييف أي انتقاد للاسلاميين وأخلاقهم السياسية والاجتماعية المتناقضة، واحتيالهم على الناخب المغربي، هو نوع من الماكارثية والكيل بمكيالين. نادية ياسين التي صارت نسيا منسيا لم يجبرها أحد على ما يزعمون أنه اعتزال للعمل السياسي بسبب نشر صور لها مع صديقها في اليونان، بل – كما يعلم من له أدنى اطلاع على طبيعة الصراع على الزعامة في الجماعة – كان أساسا على خلفية خلافة ياسين، وصدقوني أمثال هؤلاء لا تطيح بهم الصور أو الأزمات، فليسوا هم من ذوي المبادئ الذين يستقيلون عندما يُخلّون بواجبهم. 

إن الجماعة الذكورية لم تكن ترغب بامرأة نرجسية متعالية بثقافتها الغربية على دراويش التعليم العمومي على رأس التنظيم، أو حتى رأس القطاع النسائي، خصوصا وأن نادية ياسين كانت تستعمل ورقة النسب وقرابة الدم من مؤسس الجماعة كورقة للبروز والظهور في ثوب المرأة الثائرة التي تدلي بتصريحات متهورة دون الرجوع إلى مجلس الإرشاد. وكانت عند ياسين رغبة في توريث الجماعة إلى ابنته التي تمتعت بتكوين فكري في مدارس البعثة التي يصفها ياسين بالكافرة، وتلقت فيها ثقافة فرنسية خالصة ظل ياسين يوجه لها سهام نقده في طول صفحات كتبه وعرضها، واصفا الطبقة المغربية البورجوازية التي درست مع كريمته في نفس المعاهد مثل فيكتور وديكارت بالتغريبية المستلبة، وهو ما يكرس مرة أخرى النمط الازدواجي للمتاجرين بالدِّين على مستويات متعددة.

 

شارك بتعليقك

شاهد أيضا
اشتراك في القائمة البريدية
   

إشترك بالقائمة البريدية لكواليس اليوم لتتوصل بكل الجديد عبر البريد الإلكتروني