كتاب جديد: الجمالي والاديولوجي في السينما المغاربية

كعادته كل سنة أصدر مؤخرا نادي ايموزار للسينماكتابه السادس بعنوان ” الجمالي والاديولوجي في السينما المغاربية ” وذلك بمناسبة انعقاد الدورة التاسعة لمهرجانه المتخصص في سينما الشعوب من فاتح الى رابع نونبر 2012 ، والكتاب عبارة عن  تجميع لأشغال الندوة التي نظمها النادي سنة 2011 في اطار الدورة الثامنة لمهرجان سينما الشعوب . شارك في تحرير مواد هذا الاصدار السادس ، ضمن منشورات نادي ايموزار للسينما ، سبعة نقاد وباحثين سينمائيين مغاربيين توزعت مداخلاتهم على قسمين : الأول عربي ، 41 صفحة ، ضم مساهمات الأصدقاء حميد اتباتو ،  وظائف الابداعية السينمائية المغاربية / من انضاج الوعي الفني الى خدمة اليقين الايديولوجي ، و محمد اشويكة ، السينما والايديولوجيا في المغرب / محاولة للفهم ، و وسيم القربي ، سينما الهواة في تونس / جماليات التعبير الثوري ، و سعيد شملال ، هوس السلطة في سينما عبد القادر لقطع / من الأنساق الايديولوجية والقمعية الى صيغ الخلخلة ، والثاني فرنسي ، 99 صفحة ، تضمن مداخلات يوسف آيت همو ، السينما والجمالية الشعبية ، و بوشتى فرق زايد ، الجمالي والايديولوجي في السينما المغربية ، و مولاي ادريس الجعيدي ، الفيلم والايديولوجيا والجماليات . هذا بالاضافة الى تقديم بقلم الأستاذ حميد المرهون ، عن نادي ايموزار للسينما ، نورده كاملا تعميما للفائدة :

يوضح أحد الباحثين  في مجال الإبداع التشكيلي و التذوق الفني معتمدا على نظريات المفكر ميتشل”Mitchell ” المتعلقة بالأيقونة  و الصورة و صلتها بالإيديولوجيا” 1، ” ان كلمة الإيديولوجيا ideology ” كما قال ميتشل  من كلمة فكرة (idea) و التي اشتقت من فعل ” يرى””to see”  من اللغة الإغريقية ، و هو الفعل المرتبط  بالفكرة العامة و الصورة المرئية  visible imageو هي الفكرة الجوهرية في البصريات و نظريات الإدراك 2 ” ، فكلمتا ” إيديولوجيا و ” الصورة” التحمتا التحاما عضويا منذ البدء.

إن المتأمل في تاريخ الإنسانية منذ القدم إلى اليوم ، يجده ملتصقا أيما التصاق بالصورة و تجلياتها المختلفة انطلاقا من الخيالات و الأشباح، مرورا بميادين الفيزياء و الرياضيات و الرموز، و حتى الاستعمالات الأدبية المهتمة بالوصف المشهدي للوقائع و الأحداث، وصولا إلى الوسائل الإعلامية  المرئية مثل التلفاز و الفنون المنظورة كالرسم و السينما و الفوتوغرافيا. ” فالإيديولوجيا ” مفهوم يفرض نفسه كمكون يجد أصوله داخل مفهوم الصورة و التفكير من خلالها ،وهذا ما يجعل من قراءة علاقة الإيديولوجي و الجمالي في السينما مسألة ذات أهمية بالغة.

يطرح الإصدار السادس موضوعا اشكاليا في غاية الأهمية هو “الإيديولوجي والجمالي في السينما المغاربية” ،تأكيدا من نادي إيموزار لاختياراته الثقافية التي نريد لها أن تنفتح على ما هو جدي و فاعل ويستجيب لاحتياجات الزمن الثقافي المغربي  .يبدو الموضوع المقارب في الكتاب صعبا إلا أن البحث في ما هو صعب و إشكالي له متعته الخاصة ليس على مستوى القراءة فحسب ،بل على مستوى البحث كذلك و لهذا بالضبط تجتمع أسماء دعمت النادي دوما لتقول وجهة نظرها حول الموضوع والتباساته سعيا منهم نحو متعة ما تنبعث من تشعبات استكشاف تجليات العلاقة بين الإيديولوجي وبين الجمالي في سينمانا المغاربية.

يرى الدكتور حميد اتباتو  أن الحديث عن الإبداعية  السينمائية المغاربية لا يستقيم إلا باستحضار أبعادها و علاقاتها الواقعية ، و الارتكاز في الارتباط  بالواقع و تمثيله على أساسين هما : البعد الجمالي و البعد المعرفي و الفكري، و تناول الدكتور اتباتو كلمة ” إيديولوجيا” من منطلق دراسة الظواهر العقلية إلى الاستعمال السلبي للمفهوم  و ما يفرضه التموقع الاجتماعي و السياسي تارة و الفعالية في الواقع و التاريخ تارة أخرى.  يستشهد على ذلك  بأفلام مغاربية ترجمت أشكال الصراع الحارق، و صدام القناعات و المواقف كتعبير عن تناقض اجتماعي يجد بالضرورة تعبيرا عنه في المجال الإيديولوجي. كما تتخذ المضامين  الإيديولوجية في الأفلام المغاربية أوجها مختلفة تترجم هذا الصراع بدءا من النزوع الإيديولوجي اليساري إلى النزوع الإيديولوجي الإسلامي، مرورا بالنزوع الإيديولوجي الليبرالي .إضافةإلى هذا  تطرق د. اتباتو إلى الدلالة الإيديولوجية للجماليات الفيلمية خاصة إيديولوجية البطولة و السرد بين النمطية و مواجهة السائد والأسلوب الفني لتحقيق الانتساب الإيديولوجي . و ما تمجيد المهيمن السياسي و خدمة غاياته و كذا نشوء توجهات تخدم الإدماج الإيديولوجي حسبه، سوى وظائف بارزة للإبداعية السينمائية المغاربية.

من جهته تناول الناقد محمد اشويكة بالدرس و التحليل موضوع  “السينما و الإيديولوجيا في المغرب /محاولة للفهم ” ، حيث أكد أن الخطاب الفيلمي و السينمائي عامة لا يمكن إخضاعه من حيث كونه حامل لآليات فنية و رمزية تمكنه من اللعب المزدوج، وبين صعوبة إنكار الطابع الإيديولوجي للسينما المغربية كما تؤكد تعار يف أدورنو Adorno . و السينما المغربية لم تكن  لتسلم من الأطروحات الإيديولوجية برأيه خاصة تلك المرتبطة بالمسار التاريخي أثناء مرحلة الاستعمار وبعدها . سلط محمد شويكة الضوء على  العقبات التي تصادف الصناعة السينمائية بالمغرب و المتمثلة إجمالا في : التكوين- البنية التحتية- القوانين المنظمة و التمويل، و التي من شأنها إحداث قطيعة جمالية و تيماتيكية مع الرؤية الفلكلورية للمجتمع المغربي ولهذا اعتبر السينما المغربية حلبة صراع إيديولوجي مفتوح للجميع.

في دراسته يسلط الباحث يوسف آيت همو الضوء على المحور من مدخل آخر، حيث يوضح أن الحكم الجمالي للمتفرج الشعبي يتجلى  في تأييده للمحتوى  الدلالي لواقع التعبير الرسمي ، في الوقت الذي يستمد شرعيته من التقاليد الشفوية وبالمقابل معارضة  المعايير الجمالية إذا كانت عملية صرفة ونخبوية ، و هو ما يؤكده بورديو حسب د.آيت همو خاصة حين يقول ” إن جوهر كل فن شعبي هو إخضاع النشاط الفني لوظائف معدلة اجتماعيا”. ويضيف الباحث  أن هذه الجمالية  تتذبدب بين ثلاثة أنواع من الأحكام المجالية : أولها أن العولمة تضفي شرعية على الهيمنة الأمريكية، ثانيها ما يتعلق بالنخبة المغربية العالمة ، و ثالثها ما تعلق بالثقافة الشعبية.

في مداخلته أكد الدكتور مولاي ادريس الجعيدي بأن أي تعبير جمالي يعبر عن ايديولوجيا، بل يمكن الذهاب أبعد من ذلك من خلال تحديد السينما كراعي الايديولوجيا بالمعنى الصرف للكلمة .فالافلام كمنتوج ثقافي من الأشكال الايديولوجية الأكثر تأثرا بعلاقات الانتاج و الصراع الطبقي . و يعتبر الباحث الفيلم ككاشف اجتماعي ، و من تم ضرورة الأخذ بعين الاعتبار الأنساق الداخلية للفيلم لأنه يوقع للجمالية السينمائية المنشودة و لفهم الوظيفة الاجتماعية والاديولوجية.

بدوره تطرق الناقد  سعيد شملال إلى التجربة السينمائية لدى عبد القادر لقطع ، و التي تعتبر رائدة على المستوى الوطني، خاصة في ما يتعلق بالسلطة و هوسها و أثرها في الشخوص الفيلمية. لقد ركز هذا  المخرج  من خلال أفلامه على أنساق السلطة الايديولوجية و القمعية و حضورها اليومي  في تمثلات الفرد المغربي حسب الناقد ، و يتجاوز المخرج لقطع استحضار السلطة و هوسها إلى صيغ لخلخلة هذا الهوس من قبيل صيغة الاهمال،و صيغة الهروب و صيغة المواجهة .

في معرض تدخله، أكد الباحث و المخرج التونسي وسيم القربي أن سينما الهواة في تونس لعبت دورا مهما في الحركة الثقافية رغم العوائق و الاكراهات المتعددة ، حيث حاول المشتغلون بهدا الحقل خلق أرضية ثقافية خاصة على مستوى المواضيع أو المعالجة التقنية أو الاخراج. كونت هذه التجربة مجموعة من الأسماء في جميع التخصصات السينمائية، الشيء الذي جعل منها مدرسة فكرية و ثقافية بامتياز.وقد عرفت الجامعة التونسية لنوادي السينما العديد من العثرات كادت تقضي عليها ، يؤكد القربي، لعل مرد ذلك  إلى ما هومرتبط بالوضع السينمائي في تونس عامة ،وبمجموع علاقاته .

في الأخير يدعو القربي السينمائيين النزهاء إلى الالتزام بالقضايا الجديدة المتجددة ، و الاهتمام بالهواية الجديدة و المجاهرة بالتعبير الحر و التأسيس لهوية سينمائية فاعلة بتونس .

في مداخلته يؤكد الدكتور بوشتى فرق زايد أن الجمالية السينمائية تكمن في قوة التأثير في المتلقي من خلال توظيف مواد التعبير من تقنيات الصورة و الصوت ،لكون هذا يفسح المجال للمشاهد تارة لإنتاج أفكار ،و التعرض للاستفزاز تارة أخرى كلما تعلق الأمر بمناقشة قضايا من قبيل الثالوث المحرم  أي الدين و الجنس  والسياسة . يخلص بوشتى  فرق زايد في تحليلاته إلى أن الجمالي و الاديولوجي مكونان لا انفصام بينهما ، و تبقى معظم الأفلام المغربية حسبه عبارة عن تمارين لمدارس سينمائية تولي العناية للشكل على حساب المضمون و هو مايسمى ب “الفن للفن”.

يتبين  منذ انطلاق أول دورة لمهرجان سينما الشعوب بمدينة إيموزار كندر، أن النادي المشرف على تنظيمه يرسم لنفسه خطا واضحا يظهر خصوصيته و هويته من خلال البحث في المواضيع المقلقة في السينما، وهذا ما يبني تميزه و أصالته.إنه ما يتأكد من خلال هذا التشبث العاشق باقتراح محاور نوعية لندوات المهرجان ،وتوثيق أعمالها في منشورات أصدرها النادي سعيا منه نحو المساهمة الى جانب الجميع في إرواء عطش الثقافة السينمائية النابت في أعماق العشاق الكبار لهذا الفن و لثقافته بالمغرب . “

عن إدارة المهرجان : أحمد سيجلماسي

 


شارك بتعليقك

شاهد أيضا
اشتراك في القائمة البريدية
   

إشترك بالقائمة البريدية لكواليس اليوم لتتوصل بكل الجديد عبر البريد الإلكتروني