مقال تحليلي: بنكيران بين رص صفوف الأغلبية وتفتيتها في عقبة تمرير القانون المالي

كواليس اليوم: عبد الحق التدلاوي

يبدو أن الأغلبية الحكومية تشعر الآن، أكثر من أي وقت مضى، بأن صفوفها غير متراصة بالشكل المطلوب، وتحالفها يتميز بالهشاشة، وتحسبا لأي مفاجآت بإمكانها أن تخلق متاعب كبيرة لحكومة بنكيران، بادرت أحزاب الأغلبية إلى عقد لقاء يوم الثلاثاء، وجهت فيه الدعوة إلى برلمانيي ومستشاري الغرفة الأولى والثانية المنتمون للأحزاب الأربعة، المكونة للحكومة، من اجل تدارس نقطة وحيدة في جدول الأعمال، متمثلة في القانون المالي لسنة 2013.

كان الهدف الأساسي من وراء هذا الاجتماع  الموسع  لممثلي الأمة، الداعمين لأغلبية حكومة عبد الإله بنكيران، هو التعبئة ورص الصفوف كي لا تقع انفلاتات وانزلاقات تكلف الأغلبية الثمن الغالي مستقبلا، فضلا عن لجم  بعض العناصر البرلمانية التي كانت لها خرجات سابقة غير محسوبة العواقب، والتي بإمكانها أن تؤثر على تماسك الأغلبية وبالتالي السقوط المدوي لقانون المالية لسنة 2013 خلال عملية التصويت.

وتشاء الصدف أن يغيب حميد شباط عن هذا اللقاء التعبوي، نظرا لانشغاله بمهمة خارج الوطن، والذي حضره الأمناء العامون لأحزاب الأغلبية، عبد الله بنكيران ونبيل بنعبد الله وامحند العنصر، ما سيترك  هامش المناورة دائما متاحا أمام عمدة فاس الذي يظهر انه يحاول جاهدا من أجل أن يكون فاعلا ومؤثرا في أغلبية بنكيران، أولا لاعتبار نفسي يلزم الأمين العام لحزب الاستقلال الجديد أن يفرض نفسه، ثانيا لاعتبار سياسي يسعى من خلال شباط إلى تعزيز قوته التفاوضية أمام رئيس الحكومة في أي تعديل حكومي مرتقب.

ويظهر أن شباط له رغبة أكيدة كي يتمكن من استوزار بعض المقربين منه ومن ساندوه بشكل قوي في معركته ضد عبد الواحد الفاسي وأتباعه، ومن جهة أخرى ليرسي أمين حزب الاستقلال جذوره  في الجهاز الحكومي الذي يتيح له عدة امتيازات سياسية أخرى تدعمه في تثبيت رجليه على الأمانة العامة للحزب.

وما أربك رئيس الحكومة هو الغليان الاجتماعي الذي تعرفه الساحة الاجتماعية بالرغم من قرار الاقتطاع الذي نفذته الحكومة في حق كتاب الضبط، ولوحت بتطبيقه في حق موظفي ومأجوري وزارة الداخلية والصحة، فها هي النقابة الوطنية للتعليم العالي ستخوض اضربا وطنيا يوم الخميس القادم، والنقابة الديمقراطية للعدل تتهيأ لتنظيم مسيرة بالربا ط، والمنظمات الحقوقية تعتزم هي الأخرى تنظيم مسيرة يوم 25 نونبر 2012، ونقابة الأطباء ستخوض اضربا وطنيا بالمستشفيات الجامعية الخميس 8 نونبر، كل هذا  يدعو بنكيران إلى ربط حزام السلامة لأنه دخل في المنعرج الثاني الذي بإمكانه أن يؤدي إلى حادثة ملتمس رقابة تبادر بتقديمه المعارضة من اجل انقاذ البلاد من الأزمة السياسية التي تعيشها وتجنيبها من السكتة القلبية.

ودون أن ننسى كذلك أن الاتحاد العام لمقاولات المغرب قد دعا٬ يوم  الاثنين الماضي٬ كلا من الفدرالية الديمقراطية للشغل والكونفدرالية الديمقراطية للشغل إلى لقاء تشاوري.. وبدأ الشركاء الاجتماعيون في تنسيق مواقفهم لمواجهة الحكومة التي تريد فرض إستراتيجيتها للخروج من أزمة لن تعمل٬ حسب الخبراء٬ سوى على تعميقها عبر اعتماد تدابير غير اجتماعية وتمس باستمرارية المقاولات.

لذلك على بنكيران وحلفاؤه أن يعوا أن عملية التصويت على القانون المالي وتمريره ليس بالأمر الهين، وبإمكانها أن تشكل النقطة التي تفيض الكأس وتضع الحكومة في خبر كان، لذلك سارع بنكيران ربما إلى جمع برلمانيي ومستشاري الأغلبية، وأفسح المجال للنقاش والتأكيد على مثل هذه الاجتماعات، ومن اجل امتصاص الغضب وترميم  كل  الأماكن التي تحتاج إلى ذلك داخل صفوف الأغلبية في محاولة لتمنيعها وجعل مركبها عصيا عن الأمواج العاتية داخل ردهات الغرفتين، دون أن تجد من يسندها ويشد عضدها.

فهل ستصمد هذه الأغلبية غير المتجانسة منذ البداية، التي تجمع ما بين الحزب الإسلامي المحافظ والحزب الاشتراكي، ثم الحزب اليميني، والحزب اليميني المحافظ، ومدة عشرة أشهر كانت كافية ليتجلى الخلاف في الرؤية والتدبير والتسيير، وما الخرجات البرلمانية لبعض أحزاب هذه الأغلبية، والصراعات فيما بين أعضائها وانتقاد وزراء أحزاب من داخل الأغلبية إلا دليل على أن الأمور تسير إلى الأسوأ وليست في الاتجاه الصحيح، فهل سيتمكن بنكيران من التحكم في مجاديف سفينة الحكومة ليوصلها إلى بر الأمان أم أن الأغلبية نفسها ستساهم في نسف المركب وشقه إلى نصفين لتتقاذفه الأمواج وتذهب به الرياح إلى ملتمس رقابة تقوم به المعارضة التي تتربص وتتحين الفرصة للانقضاض على الفريسة في الوقت المناسب؟


شارك بتعليقك

شاهد أيضا
اشتراك في القائمة البريدية
   

إشترك بالقائمة البريدية لكواليس اليوم لتتوصل بكل الجديد عبر البريد الإلكتروني