الاصطياف وبالهرهورة يحلو المرح

بقلم : محمد حسيكي

 

الاصطياف فترة مرح من فصل الصيف، الذي ترتفع فيه درجات الحرارة، ويستبق فيه الوقت الساعة، وهو موسم رحلات الاستجمام الذي ينتعش فيها الإنسان من شمس الصيف، بالهواء الرطب من الأجواء البحرية، التي يستمتع منها بالسباحة، والتي تترك أثرها على تلوين البشرة بالسمرة، من التمدد تحت الأشعة الشمسية على الرمال الشاطئية، التي تحسب على الفضاء البحري من المجال الشمسي .

ويرتبط الاصطياف الشاطئي بالموسم الصيفي، من نهاية أشغال السنة الدراسية ومحصول الزراعة الخريفية، التي تنساق زراعيا وتربويا مع مجرى الطبيعة من مدار الخريف بالعمل، إلى مدار الصيف بنتائج الدرس والمحصول، الذي يتخذ منه الطالب والفلاح راحته السنوية، في أجواء موسمية من المقتنيات والإقبال على الشواطئ البحرية .

الشواطئ والاصطياف :

المغرب من البلدان التي يجري منها البحر الأبيض المتوسط عرضا، والمحيط الأطلسي طولا، لذلك فإن ساكنته مولعون بالسياحة الشاطئية من منظور اجتماعي موسمي، منهم من يسبح على بطنه، ومنهم من يتزلج بالألواح من الموج على قدميه، ومنهم من يستهويه الصيد بالقصبة واعتلاء صخوره، لذا تراهم يقبلون صيفا على البحر، الذي ينسب إلى وسطه من الأرض بالموج المنخفض، وأيضا على المحيط، الذي يستمد وسطه من الفضاء بالموج المرتفع .

ومن الوجهة الطبيعية يحلو للحياة الاجتماعية، الاصطياف صيفا على جهتي البحر والمحيط، الذي هو مربط الفرس من عهد يعقوب المنصور الموحدي، من مدينة الرباط التي تتعدد مصطفاتها، وتنفرد منها الهرهورة بطيب هوائها.

الهرهورة :

مصطاف طبيعي جنوب الرباط، يجمع في مداره بين الغابة، وحيز شاطئي، جانب منه مكسو بالرمال الشاطئية، وجانب متداخل بالصخور البحرية، التي يرتادها هواة الصيد بالقصبة .

كان من بدايته عهوده الأولية موقعا لموسم فلاحي، لعهد الفرس والجمال ذات الأحمال، تنصب من شاطئه الخيام الجماعية، وتقدم من أرضيته ألعاب الفروسية، ورقصة الفرسان على الإيقاعات الحدسية، التي تحاكي رقصة الفرس من سرب الفرسان، فضلا عن مجامع الخيام و المستملحات والطربيات، وسهر الليالي الفكاهية، إذ يغلب على الجمع من الموسم والشاطئ الطابع الرجالي، من الفرسان وفقهاء الذكر و الحكواتيين والمنشطين المحليين، الذين يقضون أوقاتا من النزهة والمرح الشاطئي، حمل لسانهم منه اسم الهرهورة وهي قزمة ضحك جماعي، على كل فرد تحكمه الأضحوكة بالهرهورة، وهي من جانب يفز منها ويقفز مما يبعث على الفرجة، التي يتعالى منها الضحك والهزل الجماعي على الفرد، الذي ينفعل منها فزعا وقشفا، ك الساقي الذي يتربع القرفصاء على طاولة إعداد الشاي للجماعة، إذ بعد الشرب توضع الكؤوس بالطاولة الفضية، وحينها يعمد شخصين متخفي الجانب، منبطحين من خلف الساقي على لمس قعر رجليه من أخمص قدميه، إذ يقفز على حين غرة، خائفا فزعا برفع رجليه، اللتين تنقلب منها الطاولة على كؤوسها، والهرب من الجمع، ومطاردته، واستحضاره إلى الوسط، وصياحه يتعالى، واستعطافه يتوالى، والضحك الجماعي يتساوى، إلى أن يعترف بالخطأ الحق منه والتحمل بالجماعة، بزردهم ضيافة وإحضار الذبيحة لحقهم منه، من قلب الطاولة ثوبة له من جمعهم .

ومن ذلك يجري على الهرهورة من البحر قول القائل :

إن يكن البحر غاضبا *** تراه من الهرهورة ضاحكا .

إذ شاطئ الهرهورة لا يتعدى حجم الثغر المبتسم من البحر، الذي يحلو منه المرح والاصطياف، وهو ما ينعكس على تطور المكان من السكن، الذي انطلق من جماعة قروية إلى بلدة حضرية تديرها إداريا بشوية، من وسط عمراني أنيق حل محل فضاءات المواسم التقليدية، والمخيمات الجمعية، وأماكن رسو القوافل السياحة الوطنية والدولية .

ومن موسم الأولين ومرحهم الجماعي، سمو مكانهم الهرهورة، تخليدا لتلك المرحية الجماعية، وهي الأضحوكة التي يفز منها الفرد وتتسلى منها الجماعة، منهم من تحكمه بالقول فيتقول، ومنهم من تقفز به من اللمس فيتجنن، ومنهم من يضحك منها قبل أن يصله قولا، أو يلمس لمسا .

 


شارك بتعليقك

شاهد أيضا
اشتراك في القائمة البريدية
   

إشترك بالقائمة البريدية لكواليس اليوم لتتوصل بكل الجديد عبر البريد الإلكتروني