كلمة الدكتور محمد حمام في حفل تكريم لحسن اليوسي

لحسن اليوسي : مسيرة وطني غيور ( 1903- 1971)

هذه نص الكلمة التي ألقاها الدكتور محمد حمام، في اللقاء الذي نظمه مركز لحسن اليوسي للدراسات والأبحاث، الأحد الأخير، بإقليم صفرو، تحت شعار ” الزعيم لحسن اليوسي رمز المقاومة والتعددية الثقافية”.

وفي كلمته القيمة، حاول محمد حمام، أن يعرض بعضا من الجوانب المتعلقة بمسار هذه الشخصية العريقة التي طبعت، ليس فحسب، تاريخ الأطلس المتوسط بل تاريخ المغرب المعاصر، أيضا.

ولحسن اليوسي يعد بحق إحدى الشخصيات الوطنية البارزة التي ساهمت في بناء الدولة المغربية الحديثة، وكان له إسهام كبير في دحر الاستعمار الفرنسي.

وحسب شهادة معاصريه، فلحسن اليوسي، المقاوم والوزير، ظل شجاعا، لا يخشى الموت لنصرة قضايا وطنه، وظل على هذا الحال إلى أن أنتقل بالرفيق الأعلى.

يعتبر القائد والوزير لحسن اليوسي شخصية وطنية فذة من طينة خاصة، فهو ابن مقاوم وسليل أسرة عريقة في الأطلس المتوسط ( فازاز)، ولد سنة 1903 بعين الدالية بأي يوسي قريبا من مدينة صفرو، وكان أبوه حدو أسعيد قائدا على قبيلة أي يوسي قبل وأثناء فرض الحماية على المغرب. وكان من المناهضين للاستعمار الفرنسي. عبأ كل إمكانية التصدي للفرنسيين، سنة 1912، مستنفرا قبيلته التي لبت دعوته، وحاولت منعهم الدخول إلى مدينة صفرو التي لما تمكنوا منها توجهوا إلى اقتحام قصبته بعين الدالية الموجودة على بعد 15 كلم في الجنوب الغربي منها. ولم يتمكنوا من اقتحامها إلا بعد أن كبدهم خسائر فادحة (1). إثر ذلك أنتقل حدو أسعيد إلى جبل تيشوكت، ومن هناك نظم مقاومة ضدهم مع مقاومين آخرين من أي يوسي وأيت سغروشن وغيرهم، وصار يقاتلهم إلى أن تم اغتياله سنة 1926 (2).

لا شك أن هذا الحديث الأليم، قد أثر في ولده لحسن اليوسي، الذي لم يتجاوز سنه آنذاك ثلاث وعشرين سنة، غير أن باهته وقوة شخصيته، أهلته ليخلف والده في قيادة قبيلته في هذا السن المبكرة. وبمرور الوقت أستطاع الشاب لحسن اليوسي، تجاوز الصعاب ومسايرة ما كان يجري في المغرب بسبب سياسة المستعمر الرامية إلى تفويض أركان الدولة المغربية. كل ذلك صقل وعيه السياسي والوطني، ويتجلى في مواقفه الجريئة التي تبناها دون خوف أو اكتراث بالعواقب.

ففي سنة 1946 استقبل الزعيم لحسن اليوسي السلطان سدي محمد بن يوسف استقبالا حارا يليق بمقامه السامي، وفي ذلك ما ينهض دليلا على تشبثه بمقدسات البلاد وبرمز سياداتها آنذاك المغفور له السلطان سيدي محمد بن يوسف. وهذه القناعة الراسخة لديه، تأكدت مرة أخرى في مواقفه اللاحقة بعد هذه المرحلة.

هذا، ومما يدل على صدق سريرته وطويته ووطنيته الصادقة، وقوفه إلى جانب الوطنيين الذين ربط بهم علاقات مثل علال الفاسي والمهدي بنبركة ومحمد بن الحسن الوزاني وغيرهم. وجدير بالذكر في هذا الصدد، أن لحسن اليوسي استقبل سرا وفدا من حزب الاستقلال سنة 1947 بمدينة صفرو، وأقام لديه مدة أسبوع. وكان ذلك فرصة سانحة لتعميق النقاش حول مصير البلاد واستقلالها.

وقد أسفر ذلك على تمتين علاقة لحسن اليوسي بحزب الاستقلال الذي بفضل عمل هذا الأخير استطاع هذا الحزب أن يوسع دائرة نفوذه في الأطلس المتوسط كله. وعقب ذلك ظهرت عدة خلايا سياسية في خنيفرة وبني ملال وتادلة وولماس وأزرو وإيتزر وغيرها، ومما زاد إيمان لحسن اليوسي بالقضية الوطنية أنه حينما أراد المستعمر الفرنسي إشراكه في مخططه الرامي إلى خلع الملك الشرعي للبلاد محمد الخامس وتعويضه بمحمد بن عرفة، رفض لحسن اليوسي كغيره من القياد، تلك المؤامرة الدنيئة، فألقي عليه القبض وسجن معية ابنه موحى اليوسي في مدينة بنسليمان، ومن هناك تم ترحيلهما إلى الصويرة التي سجن بها لمدة عامين.

وبعد العودة المظفرة للسلطان محمد الخامس من منفاه السحيق، نودي عليه ليصبح أول وزير للداخلية في أول حكومة في عهد الاستقلال ( دجنبر 1955- ماي 1956). والواقع أن هذه المرحلة هي مرحلة صعبة ودقيقة بالنظر إلى مشاكلها المعقدة وخطورتها.

وخير دليل على ذلك تسارع أحداثها بشكل لافت مما عقد مهمته على رأس وزارة الداخلية، ليصيح بعد ذلك في مجلس التاج لثقة الملك محمد الخامس في وفائه وتشبثه بأركان الدولة المغربية المستقلة الناشئة تحت قيادة جلالته.

أصالة الوطني والوزير لحسن اليوسي

كان لحسن اليوسي رجلا سياسيا فذا وأصيلا، متميزا بخصاله النبيلة ولباسه التقليدي المميز. ففي ذلك تجذر وعراقة في ثقافة المغرب وحضارته وتقاليده الأصيلة. فكان رحمه الله حريصا على التزين بالجلباب المغربي والبرنس والعمامة. والمعروف أن البرنس قديم قدم الإنسان المغربي. واللباس المغربي موروث أصيل يضفي على صاحبه الوقار والاحترام.

ومما يدل على أن لهذا الرجل الوطني الوقور مكانة هامة لدى المغاربة وخاصة منهم أمازيغيو اللسان- الذين رأوا فيه الزعيم السياسي المقتدر- ما جاء في شعر بعض الشعراء وخصوصا إمديازن قبائل ما وراء الأطلس الكبير الشرقي والأوسط التي من بينها قبائل أيت سدرات وامكَون ودادس، وكان الشيخان أوردو وأفارق من أيت سدرات نغيل يتغنيان في عالية أسيف – ن- دادس بعمله السياسي الوطني وبخصاله الحميدة.

وقد كان لهما صيت شهير لدى نفس القبائل في الستينات والسبعينات من القرن الماضي. وللأسف الشديد ضاع شعرهما. والشعر – كما هو معروف- هو أيضا شهادة تاريخية تعكس واقعا تاريخيا معاشا يصفه إمديازن بأشعارهم التي كانوا يصدحون بها أينما حلوا وارتحلوا. وهنا انتهز الفرصة للدعوة إلى جمع هذه الأشعار في جميع المناطق المغربية نظرا لأهميتها التاريخية.

وخلاصة القول، إن ما وقفت عنده في هذه اللمحة السريعة، حول حياة وشخصية الوطني المقدام لحسن اليوسي، ما هو إلا قليل في حقه، ويحتاج إلى البحث والتقصي، بل الأكثر من ذلك، فقد حان الوقت لتفرد له دراسة تاريخية مفصلة تكون بداية لدراسة تاريخ جبل فزاز ولبيوتاته وقبائله الكبرى نظير قبيلة أي تيوسي التي لها بصمات واضحة في تاريخ المنطقة، لأن ذلك قمين أن يغني المعرفة التاريخية عنها وعن الأطلس المتوسط برمته.

ومرة أخرى، أشكر القائمين على هذا اللقاء الوطني الكبير، وأخص بالذكر موحى اليوسي ومركز لحسن اليوسي للدراسات والأبحاث لأن القائد والوزير لحسن اليوسي، ظل منارة مشعة في تاريخ المقاومة المغربية. فمقاومته هي استمرار للمقاومة الشديدة التي واجهت بها قبائل الأطلس المتوسط وغيرها الغزو الأجنبي لأراضي المغرب.

ولذلك فهو يستحق منا- كغيره من الزعماء الوطنيين المخلصين لوطنهم ولعرشهم- أن يحتفى به ويعرف بعمله الوطني النبيل، وإن ذلك لعمري يندرج في باب الاعتراف ورد الجميل والفضل لأهله، علما أنه مهما بدلنا من جهد فإننا لم ولن نوفيه حقه.

وأعتقد أن هذا العمل الذي نقوم به ونساهم فيه اليوم جميعا- كل من موقعه- من شأنه أن تكون له أيضا فوائد تربوية على الناشئة في تعرفهم على مثل هذه الرموز الشامخة ذات القدم الراسخ في المقاومة والوطنية المغربيتين، ترسيخا لهويتهم وتحصينا لها، ضمانا لاستمراريتها، وحفاظا على أمن المغرب واستقلاله، ووحدة ترابه في ظل ثوابته المقدسة.

 


شارك بتعليقك

شاهد أيضا
اشتراك في القائمة البريدية
   

إشترك بالقائمة البريدية لكواليس اليوم لتتوصل بكل الجديد عبر البريد الإلكتروني