انهيار حلفاء البوليساريو: بداية النهاية لحلم الانفصال

بقلم : عبد الحكيم العياط
سقوط نظام بشار الأسد يمثل زلزالًا جيوسياسيًا يُنهي حقبة طويلة من التحالفات التي تشكلت خلال عقود من الصراعات الإقليمية والدولية. بالنسبة لجبهة البوليساريو، التي استفادت بشكل غير مباشر من دعم محور الجزائر-إيران-سوريا-حزب الله ، فإن هذا التطور يعمق عزلتها ويفقدها أحد أبرز شركائها السياسيين في المنطقة.
النظام السوري كان يعتبر جزءًا من شبكة تحالفات تضم إيران والجزائر، وهذه الشبكة وفرت دعمًا دبلوماسيًا غير مباشر لجبهة البوليساريو في المحافل الدولية. ومع سقوط الأسد، تفقد الجزائر شريكًا استراتيجيًا كانت تعتمد عليه في مواجهة الضغوط الإقليمية والدولية. هذا التغير يترك الجزائر وحيدة تقريبًا في الدفاع عن الجبهة الانفصالية في وقت تواجه فيه تحديات داخلية متزايدة، بما في ذلك الحراك الشعبي المستمر وتدهور الوضع الاقتصادي.
سقوط نظام الأسد ينعكس أيضًا على إيران، الحليف الإقليمي الأساسي لسوريا. هذا التطور يضعف قدرة إيران على التأثير في شمال إفريقيا ويقلل من مواردها المخصصة لدعم الحلفاء التقليديين مثل الجزائر. من دون الدعم الإيراني، تواجه الجزائر صعوبة أكبر في الاستمرار في دعم البوليساريو، سواء ماليًا أو دبلوماسيًا.
التداعيات لا تقتصر على فقدان الدعم المباشر، بل تمتد إلى فقدان المحور النفوذ المعنوي والسياسي الذي كان يوفّره نظام الأسد. سوريا كانت تستخدم منابرها السياسية لدعم القضايا التي تتوافق مع توجهات الجزائر، بما في ذلك قضية البوليساريو. الآن، ومع انهيار النظام، تتحول أولويات سوريا نحو إعادة الإعمار ومحاولة استعادة الاستقرار الداخلي، ما يعني غيابًا شبه كامل عن المشهد الدولي والإقليمي.
كذلك اعتمدت البوليساريو لعقود على دعم بعض الدول الإفريقية واللاتينية التي كانت ترى في دعمها للجبهة امتدادًا لمواقفها المناهضة للاستعمار. غير أن السنوات الأخيرة شهدت تراجعًا ملحوظًا في هذا الدعم، نتيجة تغيّر الحسابات السياسية والمصالح الاقتصادية. دول إفريقية عديدة، مثل السنغال، الغابون، والكوت ديفوار، أعلنت دعمها الواضح لمبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، معتبرة أنها الحل الأكثر واقعية للنزاع.
في أمريكا اللاتينية، التي كانت معقلاً لداعمي البوليساريو، تغيّرت المواقف بفعل صعود حكومات أكثر براغماتية. بلدان مثل البرازيل والبيرو بدأت بإعادة تقييم علاقاتها مع المغرب في ضوء المصالح الاقتصادية المتبادلة واتساع النفوذ المغربي في القارة.
بالنسبة للمغرب، سقوط الأسد يعتبر نقطة تحول استراتيجية تعزز من موقفه على الصعيد الإقليمي. المغرب، الذي نجح في بناء شبكة تحالفات دولية قوية ودفع قضيته الوطنية نحو الاعتراف الدولي، يجد نفسه اليوم في موقع قوة أكبر. غياب أحد الأطراف الداعمة للبوليساريو يعني المزيد من التأييد الدولي لمبادرة الحكم الذاتي التي يقدمها المغرب كحل دائم للنزاع.
علاوة على ذلك، فإن تراجع تأثير الجزائر بسبب فقدان أحد حلفائها الإقليميين يضعف قدرتها على مواجهة الضغوط المغربية في الساحة الإفريقية والدولية. العديد من الدول الإفريقية التي كانت تُعتبر داعمة تقليدية للبوليساريو بدأت في تغيير مواقفها نتيجة للجهود الدبلوماسية المغربية، ومع سقوط الأسد، ستتسارع هذه التحولات لصالح المغرب.
سقوط نظام بشار الأسد لا يمثل فقط نهاية لدور سياسي في الشرق الأوسط، بل أيضًا نقطة تحول حاسمة في النزاع حول الصحراء المغربية. البوليساريو، التي تعتمد على شبكة من الحلفاء الإقليميين والدوليين، تجد نفسها الآن في مواجهة عزلة متزايدة مع انهيار داعميها. هذا التطور يجعل من انهيارها النهائي أمرًا أقرب من أي وقت مضى، في وقت يرسخ فيه المغرب موقعه كفاعل إقليمي قوي وقادر على قيادة التحولات في شمال إفريقيا.


شارك بتعليقك

شاهد أيضا
اشتراك في القائمة البريدية
   

إشترك بالقائمة البريدية لكواليس اليوم لتتوصل بكل الجديد عبر البريد الإلكتروني