تعيش بعض المدن المغربية منذ أيام على وقع أحداث مؤسفة، بعدما تحولت احتجاجات كان يفترض أن تبقى سلمية إلى أعمال عنف وتخريب خطيرة.
مشاهد إحراق الممتلكات العامة والخاصة، من سيارات الأمن والإسعاف إلى المحلات التجارية والوكالات البنكية، صدمت الرأي العام الوطني وأثارت موجة غضب واسعة وسط المواطنين، الذين عبّروا عن استنكارهم لهذه التصرفات الإجرامية التي لا علاقة لها بالمطالب الاجتماعية.
السلطات العمومية، بكل مكوناتها، تدخلت بسرعة لفرض النظام وحماية أرواح الناس وممتلكاتهم، ونجحت في السيطرة على الوضع في أكثر من موقع.
غير أن السؤال الحقيقي يظل قائماً: لماذا تُركت الأوضاع الاجتماعية لتصل إلى هذا المستوى من الاحتقان؟
هنا تكمن مسؤولية حكومة عزيز أخنوش، التي فشلت في الاستجابة للمطالب المشروعة للمغاربة، خصوصا المتعلقة بالحق في التعليم والصحة والعيش الكريم.
المغاربة يميزون جيداً بين الدولة، التي يمثلها جلالة الملك باعتباره الضامن الأول لوحدة البلاد واستقرارها، وبين الحكومة التي تُحاسَب على سياساتها وقراراتها.
اليوم، بات واضحاً أن حكومة أخنوش أخفقت في إدارة الملفات الاجتماعية، وتركت فراغاً استغلته أيادٍ مشبوهة لتحويل الاحتجاجات إلى أعمال فوضى وتخريب.
أهالي إنزكان ووجدة وتيزنيت وغيرهم من المدن المتضررة عبّروا عن سخطهم من هذه الانزلاقات التي مسّت أرزاقهم وهددت أمنهم اليومي.
التجار الذين فقدوا محلاتهم، والأسر التي رأت سياراتها تُحرق أمام أعينها، لم يعودوا يرون في هذه التحركات سوى وجهها التخريبي، الذي يسيء لمطالب الناس أكثر مما يخدمها.
إن الحفاظ على السلم الاجتماعي مسؤولية جماعية، لكن البداية تكون من الحكومة التي يجب أن تتحمل كامل مسؤوليتها في معالجة جذور الأزمات، لا أن تكتفي بتدابير ترقيعية أو بيانات إنشائية. أما الشباب، فعليهم أن يدركوا أن التخريب لا يخدم قضيتهم، وأن المطالبة بالحقوق لا يمكن أن تمر عبر العنف.
المغرب يحتاج اليوم إلى صوت العقل والحكمة، إلى التبرؤ من المخربين الذين يسيئون لصورة الاحتجاج، وإلى تحميل الحكومة المسؤولية كاملة عن هذا الانفلات، لأنها لم تقم بما يلزم قبل أن تشتعل شرارة الغضب. أما الوطن، فهو أكبر من أن يكون رهينة بين يدي الفوضى أو العبث، وسيبقى عصياً على كل محاولات التشويه والاستغلال.



