تأخذنا رواية “دفاتر ليلى المنسية” لعبد الإله البريكي في رحلة فريدة عبر الأزمنة والأمكنة، متجاوزة حدود الجغرافيا ومفاهيم الزمن التقليدية، لتكشف لنا عوالم متداخلة من الماضي والحاضر. تقدم الرواية بانوراما من الشخصيات التي تتباين في أدوارها، بين عارف بالله، ورغبة جسدية، وامرأة متمردة على واقع موبوء. الرواية لا تخضع لمنطق التسلسل التقليدي، بل تعتمد على القفزات الزمنية التي تأخذ القارئ إلى زمن خاص، حيث يتعالى الحاضر على الماضي، ويطرح أسئلة حول الواقع الذي نعيشه.
منذ الصفحات الأولى، يسيطر على القارئ إحساس دفين بالقلق، حيث يجد نفسه تائهًا بين الحاضر والماضي، وكأن الكاتب يعيشه في حالة فقدان ذاكرة جزئي. الرواية لا تسير على خط سردي متصل، بل تنحرف بين العصور، فتجدك تتساءل: كيف لأبي العباس السبتي أن يكون شاهدًا على جائحة كورونا؟ هل يمتلك العارف بالله اللقاح المنتظر؟
بالرغم من أنها رواية تنبثق من صميم الحاضر، إلا أنها تمثل في ذاتها هروبًا إلى الماضي المجيد. فالرحلة إلى البحث عن مخطوطة أبي العباس ليست مجرد بحث عن أثر مادي، بل هي تأمل في العلاقة بين الماضي والحاضر، وتأكيد على فقدان الخلف إرث السلف. المخطوطة، التي بيعت كما بيع التراث، ضاعت كما ضاع الكثير من قيمنا الإنسانية في عالم استهلاكي كشف عن عيوبه خلال جائحة كورونا.
تُعرّي الرواية واقعًا مُستهلكًا، حيث لا فرق بين بيع الرجال والأعراض في زمن أبي العباس السبتي، وبيع الألقاب والمخطوطات في عصرنا الحالي. لكن ما يذكرنا به الكاتب هو أن ما لا يمكن بيعه هو الحب والذاكرة. فقد يغيب الأثر، لكن الذكرى تظل خالدة.
تبقى العلاقة بين ليلى ومراد – تلك الشخصيتين المتشابهتين مع أنفسنا – غامضة ومعقدة، كما هو الحال مع العلاقة بينهما وبين جائحة كورونا. هذه الرواية هي بمثابة مرآة تعكس قلقنا الوجودي في عصر استهلاكي فقد هويته، ومع ذلك، تحمل في طياتها الأمل بعباسية جديدة قد تعلن ولادة عالم جديد بعد كورونا.
شاهد أيضا
اشتراك في القائمة البريدية
إشترك بالقائمة البريدية لكواليس اليوم لتتوصل بكل الجديد عبر البريد الإلكتروني