تشهد أسعار الأدوية في المغرب ارتفاعاً ملحوظاً مقارنة بدول أخرى، وهو ما أكده الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، فوزي لقجع، خلال مناقشة مشروع قانون المالية لسنة 2025. وأوضح الوزير أن بعض الأدوية تُباع بأسعار تفوق ثلاثة إلى خمسة أضعاف مثيلاتها في الدول الأخرى، مستشهداً بأدوية تُستورد منذ سنوات بسعر عشرة دراهم وتُباع في السوق المغربية بما يصل إلى 80 درهماً.
هذا الواقع يسلط الضوء على اختلالات عميقة في سوق الأدوية بالمغرب، حيث تتحكم شركات محدودة في 70% من السوق، ما يفتح الباب أمام الاحتكار والممارسات التي تُثقل كاهل المرضى وتعيق الوصول العادل إلى العلاج. كما يشير تقرير المجلس الأعلى للحسابات لعام 2023 إلى أن حوالي 25% من الأدوية في المغرب تخضع لوضعية احتكار، مما يؤدي إلى غياب المنافسة وارتفاع الأسعار بشكل غير مبرر.
الدراسات الصادرة عن الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي “كنوبس” وإدارة الجمارك المغربية أكدت أن أسعار الأدوية بالمغرب تفوق نظيرتها في دول مثل فرنسا وبلجيكا بنسب تتراوح بين 250% و1000%، خصوصاً الأدوية المستخدمة لعلاج الأمراض المزمنة والخطيرة. هذا الارتفاع ينعكس سلباً على الأسر المغربية التي تتحمل 56% من الإنفاق الصحي من جيوبها، وهو ما يعمق معاناة الفئات الهشة والمتوسطة رغم تعميم التغطية الصحية.
ويرتبط هذا الوضع بضعف حصة الأدوية الجنيسة التي لا تمثل سوى 34% من السوق، مقارنة بـ70% في فرنسا و80% في ألمانيا، مما يعكس غياب استراتيجية فعالة لتشجيع الصناعة الوطنية للأدوية. وتشير تقارير حقوقية إلى أن الفاعلين في القطاع يفضلون استيراد الأدوية الجاهزة بدلاً من تصنيعها محلياً، ما يؤدي إلى فقدان أدوية من السوق بسبب سوء تدبير المخزون الأمني وغياب الصرامة القانونية.
ارتفاع أسعار الأدوية يشكل تهديداً حقيقياً لتوازن أنظمة التغطية الصحية، كما يعمق عجز الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، حيث إن الأدوية تمثل 40% من تكلفة النظام الصحي بالمغرب، مقارنة بمتوسط 18% في بلدان منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية. هذا الوضع يدعو إلى ضرورة اتخاذ خطوات عاجلة لضمان الأمن الدوائي وتحقيق السيادة الصحية.
الحكومة المغربية مطالبة بمراجعة المنظومة القانونية للأدوية، وتشجيع الصناعة الوطنية، وفرض شفافية صارمة على تسعير الأدوية. كما أن تنزيل المقتضيات القانونية للوكالة المغربية للأدوية والمنتجات الصحية بات أمراً ملحاً لضمان توفر الأدوية بأسعار معقولة وتحقيق التوازن بين مصالح الشركات والمستهلكين. في ظل هذه الأزمة، يبقى الأمل معقوداً على الإرادة السياسية لتصحيح هذه الاختلالات وضمان حق المواطنين في العلاج بأسعار عادلة ومنصفة.