في رد فعل متوقع، عبرت الجزائر عن “صدمتها” و**”استغرابها”** بعد إعلان فرنسا فرض قيود على دخول بعض المسؤولين الجزائريين إلى أراضيها، في خطوة تؤكد أن باريس بدأت تتعامل ببراغماتية أكبر مع علاقاتها مع الجزائر. النظام الجزائري، الذي اعتاد لسنوات على الاستفادة من استثناءات دبلوماسية، يبدو اليوم غاضبًا من قرار يعكس ببساطة مبدأ المعاملة بالمثل.
الاحتجاجات الجزائرية.. غضب مصطنع أم إحراج حقيقي؟
لم يكن مستغربًا أن تصف الخارجية الجزائرية هذا القرار بأنه “استفزاز”، لكنها أغفلت ذكر أن هذه القيود تستهدف فئة من المسؤولين الذين كانوا يستفيدون من وثائق سفر خاصة تعفيهم من تأشيرة الدخول إلى فرنسا. الجزائر اعتبرت أن باريس كان ينبغي أن تخبرها مسبقًا، وكأن الأمر يتعلق بقرار يخص دولة حليفة لها نفوذ دبلوماسي قوي، في حين أن العلاقات بين البلدين تشهد توترات متزايدة منذ أشهر.
النظام الجزائري، الذي لم يتردد في إغلاق الحدود مع المغرب منذ 1994، وفرض قيود مشددة على دخول العديد من الجنسيات إلى أراضيه، يجد اليوم صعوبة في تقبل أنه لم يعد يحظى بالامتيازات التي كان يتمتع بها في السابق. باريس، التي لطالما فضلت سياسة الصبر والاحتواء مع الجزائر، قررت أن الوقت قد حان لإعادة ضبط علاقاتها مع بلد يتبنى نهجًا تصعيديًا في كل الملفات تقريبًا.
العزلة تزداد.. والاحتجاجات لا تجدي نفعًا
المشكلة لا تتوقف عند العلاقة مع فرنسا، فالجزائر وجدت نفسها في خلافات متزايدة مع إسبانيا، إيطاليا، روسيا، وحتى بعض الدول العربية. الخطاب العدائي تجاه الجيران، والسياسات الخارجية غير المتزنة، جعلت النظام الجزائري يعاني من تراجع واضح في نفوذه الدبلوماسي.
فبعد أن أغلقت الجزائر خط الغاز مع إسبانيا في لحظة غضب غير محسوبة، عادت الآن لتواجه واقعًا جديدًا حيث فقدت جزءًا كبيرًا من نفوذها في أوروبا لصالح المغرب، الذي نجح في تعزيز شراكاته الاقتصادية والدبلوماسية بشكل أكثر استقرارًا.
وفي حين تسعى العديد من الدول إلى بناء تحالفات جديدة والتكيف مع التحولات الجيوسياسية، يبدو أن الجزائر لا تزال تعيش في منطق الصراعات القديمة، وتتعامل مع شركائها بأسلوب التهديد والتصعيد، كما فعلت مؤخرًا مع إيطاليا بعد تراجع روما عن بعض الاتفاقات الاقتصادية معها.
هل بدأت فرنسا في تغيير قواعد اللعبة؟
بالنسبة لفرنسا، هذا القرار يمثل إشارة واضحة بأن مرحلة المجاملات الدبلوماسية المجانية قد انتهت. باريس لم تعد ترى في الجزائر شريكًا يمكنه فرض شروطه دون تقديم مقابل، خاصة في ظل الملف الشائك للهجرة غير الشرعية، حيث ترفض الجزائر منذ سنوات استعادة رعاياها المقيمين بشكل غير قانوني في فرنسا.
وإذا استمرت الجزائر في نهجها الحالي، فقد تجد نفسها أمام مزيد من الإجراءات المشددة مستقبلاً، ليس فقط من فرنسا، بل من باقي العواصم الأوروبية التي باتت تدرك أن التعامل مع النظام الجزائري يعني التعرض لسلسلة من الأزمات المفتعلة دون أي فائدة استراتيجية حقيقية.
الأسابيع القادمة ستكشف كيف سيتعامل النظام الجزائري مع هذا الوضع الجديد، لكن ما يبدو مؤكدًا هو أن عهد الامتيازات الخاصة انتهى، وأن على الجزائر أن تعيد حساباتها قبل أن تجد نفسها خارج حسابات اللاعبين الكبار في السياسة الدولية.
📍 كواليس اليوم