فضيحة التسريبات تهز الثقة في مؤسسة الضمان الاجتماعي.. هل يكفي الاعتذار أم أن على الإدارة أن ترحل؟

 

في خطوة متأخرة وبعد ضغط شعبي وإعلامي متصاعد، خرجت إدارة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي عن صمتها لتقديم اعتذار رسمي للمواطنين المغاربة، عقب الفضيحة غير المسبوقة التي تمثلت في تسريب بيانات حساسة تتعلق بملايين الأجراء والمقاولات، في واحدة من أخطر الهزات التي عرفها القطاع العام الرقمي في المغرب خلال السنوات الأخيرة.

الاعتذار، وإن جاء في صيغة رسمية تنم عن “تحمل للمسؤولية”، إلا أنه لم يكن مرفوقًا بإجراءات محاسبة حقيقية أو تدابير واضحة لاسترجاع الثقة. بل إن عدداً من المراقبين والخبراء اعتبروا أن هذا الاعتذار مجرد رد فعل اضطراري لتطويق الغضب العام، دون أن يكون عنوانًا لتحول جذري في إدارة المؤسسة أو عقلية تدبيرها.

فالخطأ هذه المرة لم يكن تقنياً فقط، بل بنيويًا وأخلاقيًا. كيف لمؤسسة من حجم الضمان الاجتماعي، تتعامل مع معطيات شديدة الحساسية تخص المواطنين المغاربة ومقاولاتهم، أن تغفل عن أبجديات الأمن المعلوماتي، وتترك ثغرات بهذا الحجم تُستغل لفضح بيانات مهنية وشخصية؟

الأدهى من ذلك، أن إدارة الصندوق لم تُقدّر خطورة ما حدث إلا بعد “وقوع الفأس في الرأس”، لتبدأ بعدها “المعالجة التجميلية”، من خلال تسريع صفقة بـ2.6 مليون درهم لاقتناء نظام للحماية من تسرب البيانات (DLP)، وكأن الأمن المعلوماتي مجرد إجراء يُشترى بعد الفضيحة، لا سياسة وقائية وجزء من الحوكمة الرشيدة.

اليوم، الأسئلة تُطرح بحدة:

من يتحمل المسؤولية المباشرة؟

هل سيتم فتح تحقيق داخلي لتحديد مكامن الفشل؟

أين كانت لجان المراقبة والتدقيق واليقظة الرقمية؟

هل يكفي خطاب اعتذاري لتجاوز أزمة بهذا الحجم؟

ألا يستحق المواطن المغربي إدارة أكثر احترافية وأمانًا على معطياته الشخصية والاجتماعية؟

في دولة تُشدد على ضرورة تأهيل الإدارة وتعزيز ثقة المواطن في المرفق العام، يبدو أن بقاء هذه الإدارة دون تغيير بعد هذا الخطأ الجسيم يُعد استفزازًا للرأي العام، لا سيما وأن تداعيات التسريب قد تمس حياة الآلاف ممن وجدوا بياناتهم معروضة للبيع أو التداول على الإنترنت.

إن المؤسسة التي تقف على رأس ضمان الاستقرار الاجتماعي لفئات واسعة من المجتمع، مطالبة اليوم ليس فقط بالاعتذار، بل بإعادة بناء منظومتها المعلوماتية والرقابية من الصفر، تحت إشراف إدارة جديدة تُدرك أهمية الأمن الرقمي، وتحترم ذكاء المواطن، وتحمي بياناته قبل فوات الأوان.

أما إذا كانت الإدارة الحالية ترى أن الاعتذار كافٍ، فإن أكبر ما يمكن أن تقدمه اليوم هو أن ترحل، وتفسح المجال لدماء جديدة تتحمل المسؤولية بثقة وكفاءة، لا بالبيانات المهددة والهروب إلى الوراء.

 

 

 

 

 


شارك بتعليقك

شاهد أيضا
اشتراك في القائمة البريدية
   

إشترك بالقائمة البريدية لكواليس اليوم لتتوصل بكل الجديد عبر البريد الإلكتروني