لم تمر ساعات قليلة على انتخاب عبد الإله بنكيران أمينا عاما لحزب العدالة والتنمية، حتى قرر أن يفتتح ولايته الجديدة بطريقته المعتادة: بالصدام مع مؤسسات الدولة.
ففي أول خروج له بعد عودته الرسمية لقيادة الحزب، أعلن بنكيران عن نيته رفع دعوى قضائية ضد وزارة الداخلية بسبب امتناعها عن صرف الدعم العمومي المخصص للحزب، دون أن يتردد في توجيه تهديد مباشر لوزير الداخلية عبد الوافي لفتيت.
وفي كلمته خلال مؤتمر البيجيدي، بدا بنكيران متمسكا بنفس الخطاب القديم الذي اعتاد عليه المغاربة طيلة سنوات توليه رئاسة الحكومة: خطاب يلبس لبوس المظلومية، ويتعمد تحويل أي خلاف إداري أو قانوني إلى معركة وجودية مع الدولة ومؤسساتها.
صحيح أن لجوء الأحزاب إلى القضاء حق مكفول قانونا، وصحيح أن أي نزاع حول صرف الدعم العمومي يجب أن يحسمه القضاء، لكن المستفز في خطاب بنكيران هو تحميله القضية أبعادا سياسية مفتعلة، وكأن وزارة الداخلية تعاقب الحزب أو تضطهده، متجاهلا أن المسألة مرتبطة بمعايير قانونية يجب احترامها، والتي يفترض أن يتعامل معها حزب العدالة والتنمية بروح المسؤولية، لا بمنطق تصفية الحسابات.
الواقع أن بنكيران، وهو العائد لتوه إلى الحزب، يبدو وكأنه يستعجل استعادة الأضواء عبر افتعال معارك هامشية، في الوقت الذي كان يفترض أن يكون خطابه منصبا على إصلاح الأعطاب العميقة التي تسببت في الانهيار التاريخي للحزب سنة 2021، لا على إثارة المعارك الجانبية مع وزارة الداخلية.
الأخطر من ذلك، أن بنكيران يواصل استغلال القضايا الإدارية لخلق حالة من التوتر المفتعل مع المؤسسات الوطنية، وهو أسلوب قد يعيد إلى الأذهان سنوات التشنج السياسي التي كلفت المغرب الكثير من الفرص والإمكانيات.
عوض أن يبدأ بنكيران عهده الجديد بنبرة إصلاحية تتسم بالنضج والاتزان، فضل مرة أخرى أن يلعب ورقة “الضحية”، وأن يوهم أنصاره بأن الحزب مستهدف، في حين أن الحقيقة أبسط من ذلك بكثير: هناك دعم مالي عمومي خاضع لشروط وضوابط قانونية، ومن لم يحترمها فعليه أن يتحمل النتائج، بدل العزف على أوتار المؤامرة.