مرة أخرى، يجد رئيس الحكومة عزيز أخنوش نفسه في قلب العاصفة، وهذه المرة بسبب مشهدٍ صادمٍ تجاوز كل حدود اللباقة والرمزية الوطنية.
ففي لقاء حزبي بمدينة بني ملال، ظهر أخنوش وهو يطوي العلم المغربي ويجلس عليه، في لحظة عزف النشيد الرسمي لحزبه، مشهد التقطته الكاميرات وانتشر كالنار في الهشيم على مواقع التواصل الاجتماعي، ليفجّر موجة غضب عارمة وسط المغاربة.
الرمز الوطني الذي قُطّع من أجله الرجال، وسالت دونه دماء الشهداء، تحوّل في لحظة عبثية إلى وسادة سياسية في مشهد عبثي لا يليق لا بمسؤول عادي، فبالأحرى برئيس حكومة يمثل هيبة الدولة ووجهها أمام الداخل والخارج.
لا أحد يشك في وطنية الرجل، لكن المشكل هنا ليس في النوايا، بل في الرمزية المهينة للفعل. فحين يجلس رئيس الحكومة على العلم، حتى عن غير قصد، فهو يجلس على إحساس ملايين المغاربة الذين يرفعونه في أفراحهم وأحزانهم، ويحملونه في المظاهرات والملاعب والحدود كعنوانٍ لهويتهم وكرامتهم.
أخنوش، وهو يترأس حكومة يفترض فيها أن تكون واجهة الدولة في الانضباط والرمزية، كان مطالبا بأدنى درجات الانتباه والاحترام، لأن العلم ليس قطعة قماش عادية يمكن طيها أو وضعها تحت المقعد. إنه تاريخٌ ودماءٌ وقداسة وطن.
الواقعة تعيد إلى الواجهة السؤال الكبير: هل يدرك بعض المسؤولين رمزية ما يمثلونه؟ وهل يفقهون معنى الصورة حين تخرج من مقاعد السياسة إلى فضاء الشعب؟ فحين يهتز المغاربة من مشهدٍ كهذا، فليس لأنهم يبحثون عن الزلات، بل لأنهم يحسون أن رموزهم ليست مجرد ديكور حزبي أو زينة احتفالية.
لقد كان يكفي من رئيس الحكومة، بعد انتشار المقطع، أن يعتذر أو يوضّح، ليخفّف من وقع الصدمة. لكن الصمت المطبق الذي تلا الحادث جعل الغضب الشعبي أكثر اشتعالا.
إنها ليست أول سقطة رمزية في مسار الرجل، لكنها بالتأكيد الأخطر، لأنها مست شرف رمزٍ وطني مقدس، لا يقبل المزاح ولا الإهمال.
الرسالة وصلت: الرموز الوطنية لا توضع تحت المقاعد، بل فوق الرؤوس.



