الدائرة المفرغة للاستبداد: الأزمات المتراكمة والطريق إلى الانهيار!

نظام مير محمدي
كاتب حقوقي وخبير في الشأن الإيراني

عادةً ما تواجه الأنظمة الديكتاتورية في مراحلها الأخيرة سلسلةً من الأزمات المعقدة والمتنوعة. هذه الأزمات، الناجمة عن عقود من القمع والفساد المنهجي وسوء الإدارة الاقتصادية والعزلة الدولية، تؤدي إلى تفاقم المشكلات بدلاً من حلها. وكل قرارٍ يتخذ لحل مشكلة ما يؤدي إلى نشوء أزمات جديدة أو يزيد من حدة الأزمات القائمة. وهكذا يغرق النظام في دائرة مفرغة من المشكلات التي يصعب الخروج منها، مما يُسرِّع من انهياره.
نظام ولاية الفقيه الحاكم في إيران يُعد مثالاً واضحاً على هذا النمط. إلى جانب السمات المشتركة مع الأنظمة الديكتاتورية الأخرى، يتميز هذا النظام بخصائص فريدة. من بين هذه الخصائص تصدير الأزمات الداخلية إلى الخارج من خلال إشعال الحروب والتدخلات الإقليمية، والفساد المنتشر على كافة مستويات الحكم، والذي وصفه المسؤولون أنفسهم بـ«الفساد فوق النظامي». إضافةً إلى ذلك، يتسم النظام بالقمع الشامل للحريات الأساسية ومظاهر العداء العلني تجاه النساء، حيث تعكس أعداد السجينات السياسيات هذا النهج العدائي.

الأزمات الداخلية: الفساد وسوء الإدارة والقمع الاجتماعي
نظام ولاية الفقيه يعاني من أزمة متعددة الجوانب، لدرجة أن وسائل الإعلام التابعة له لا تجد بُداً من الاعتراف بها. فقد كتب موقع “جهان صنعت” الحكومي في 13 نوفمبر: “الحكومة الرابعة عشرة عالقة في مستنقعٍ، وكل خطوة تقوم بها، سواء كانت صائبة أو خاطئة، تؤدي إلى مزيد من الغرق.” فعلى سبيل المثال، أدت محاولات الحكومة لإصلاح إعانات الطاقة إلى اختلال كبير في الأسعار وظهور مشكلات جديدة في توزيع موارد الطاقة، ما يكشف عن عمق الفجوة الإدارية.
إلى جانب ذلك، تُسبب أزمة ارتفاع أسعار الوقود وانقطاع الكهرباء المتكرر، لا سيما في فصل الشتاء، اختلالاً في حياة المواطنين اليومية. وفي هذا السياق، أشارت صحيفة “هم‌ميهن” إلى أن السياسات الخاطئة في قطاع الطاقة، إلى جانب العزلة الدولية، جعلت إيران واحدة من أسوأ الدول من حيث التلوث البيئي وسوء إدارة الموارد.

الأزمات الخارجية والبيئية: تكاليف باهظة يتحملها الشعب
لتمويل تدخلاته الإقليمية ومغامراته العسكرية، يعتمد النظام على الاستخدام المفرط للمازوت في المصانع والمحطات الكهربائية، ما يؤدي إلى تلوث الهواء وزيادة الأمراض. وفي الوقت نفسه، يتسبب هذا الاعتماد المفرط على المازوت والوقود الأحفوري في أزمة نقص الطاقة، مما يضطر الحكومة إلى قطع التيار الكهربائي في العديد من المدن. وقد تساءل موقع “رويداد24” في 14 نوفمبر: “أين الكهرباء النووية في ذروة انقطاع التيار؟ الشعب الإيراني دفع ثمناً باهظاً من أجل البرنامج النووي السلمي، ولكن لماذا لا تُستخدم هذه الكهرباء لإنقاذ البلاد من الانقطاعات المتكررة؟”

القمع والإعدامات: أدوات الترهيب لمواجهة الاحتجاجات
في محاولةٍ لتأجيل الانتفاضات الشعبية، يلجأ النظام إلى زيادة عدد الإعدامات، وخاصةً الإعدامات العلنية، لإثارة الخوف بين الناس. ومع ذلك، فإن هذه السياسات القمعية تؤدي إلى نتائج عكسية، حيث تعزز المقاومة داخل السجون وخارجها. وفي الوقت نفسه، لم تفلح وعود النظام الكاذبة، مثل رفع الحظر عن الإنترنت أو إلغاء دوريات الإرشاد، في تهدئة الشارع، بل زادت من كراهية الشعب للنظام.
وحذرت صحيفة “ستاره صبح” في 12 نوفمبر قائلة: “لدينا مجتمع غاضب لا يثق في قدرة هذا النظام على تحسين الأوضاع. إذا انتقلت المقاومة إلى الشوارع، فسيكون الوضع أكثر تعقيداً، حيث أن السيطرة ستكون بيد القوات العسكرية وليس الحكومة.”

الكلمة الأخيرة
الأزمات المتعددة التي يعاني منها نظام ولاية الفقيه مترابطة بشكل يجعل حل واحدة منها يؤدي إلى تفاقم الأخرى. الفساد المستشري، القمع الممنهج، والسياسات الخارجية الفاشلة وضعت النظام في طريقٍ مسدود. والشعب الإيراني، الذي لم يعد يثق بأي من وعود المسؤولين الكاذبة، يترقب لحظة اندلاع الشرارة التي ستشعل الاحتجاجات الواسعة.
لقد غرق نظام ولاية الفقيه في مستنقع أزماته، وأصبح من المستحيل عليه الخروج من هذه الدائرة المفرغة. وهذه الظروف تجعل انهياره مسألة وقت لا أكثر.
وبهذه المناسبة كتبت السيدة مريم رجوي على حسابها X بمناسبة الذكرى الخامسة للانتفاضة الوطنية في نوفمبر 2019:
“انتفاضة نوفمبر 2019 كانت مثالا حقيقيًا لمعركة من أجل إسقاط النظام. وانموذجا يشكل الشباب الواعون والمحرومون عناصرها النضالية، النموذج الذي استلهم نهجها من معاقل الانتفاضة وکان تجسیداً لاستراتيجية مجاهدي خلق، أي استراتيجية معاقل الانتفاضة والمدن الثائرة المنتفضة
كان شهر نوفمبر الدامي قبل خمس سنوات صرخة أمة تنشد الحرية، وشعلة ستظل خالدة في قلوب الشعب. تحية إجلال للسجناء الشجعان في سجني إيفين وقزل حصار، الذين أعادوا بأصواتهم الشجاعة إحياء ذكرى هدير الشعب البطل في انتفاضة نوفمبر 2019 من خلف القضبان. إن دماء شهداء تلك الانتفاضة تشكّل حافزًا أبديًا لمواصلة الكفاح ضد الديكتاتورية الدينية الحاكمة في إيران.”


شارك بتعليقك

شاهد أيضا
اشتراك في القائمة البريدية
   

إشترك بالقائمة البريدية لكواليس اليوم لتتوصل بكل الجديد عبر البريد الإلكتروني