ريع المطابع: حينما يصبح الدعم حقا مكتسبا بلا مقابل

في مشهد يجسد التناقضات العميقة التي يعيشها قطاع الصحافة والنشر والطباعة في المغرب، برزت قضية الدعم العمومي الموجه للمطابع التجارية بشكل يثير الكثير من التساؤلات حول جدوى هذا الدعم وجدليته، لا سيما في ظل السعي المتزايد لتهميش المقاولات الصحفية الصغرى التي تحقق تأثيرا واسعا رغم إمكانياتها المحدودة.

مطبعة مغربية نموذجية، كما يقول الزميل علي مبارك رئيس اتحاد المقاولات الصحفية الصغرى، تشغل بالكاد مديرا وسبعة عمال يتقاضون الحد الأدنى من الأجور، أي ما مجموعه 6 ملايين سنتيم شهريا، أو 72 مليون سنتيم سنويا. ورغم بساطة هذا الهيكل، تستفيد المطبعة من دعم مالي ضخم يصل إلى 600 مليون سنتيم سنويا، أي ما يعادل خمسين مليون سنتيم شهريا.

المفارقة الكبرى، حسب تصريح الزميل علي مبارك لجريدة “كواليس” الإلكترونية، تكمن في أن هذه المطابع، بدل أن تساهم في دعم الثقافة الوطنية أو تعزيز المقروئية المتدنية أصلا، تعمل على طباعة كل شيء عدا الجرائد والصحف التي تواجه أزمة وجودية. والأكثر إثارة للدهشة، أن هذه المطابع تستفيد من ورق مدعم من الدولة، وهو ورق يفترض أن يسهم في خفض تكاليف الإنتاج لدعم النشر وتعزيز الوصول إلى المعلومات. ولكن بدلا من ذلك، يعاد بيع هذا الورق للزبائن بالسعر العادي، وأحيانا بسعر أعلى، مما يحول الدعم المقدم إلى ريع تجاري بامتياز.

وبينما تعاني الصحافة الوطنية من أزمة خانقة في الموارد وتراجع الإعلانات، وتواجه المقاولات الصحفية الصغرى شروطا مجحفة بعد المرسوم الوزاري الأخير الذي يهدد وجودها، نجد أن الدعم السخي يتجه نحو مطابع تجارية تسير بمنطق الربح الخالص، ولم تكن يوما بحاجة إلى هذا الدعم. وهذه المطابع تعمل في مجالات الطباعة التجارية، بما يشمل طباعة الإعلانات والوثائق التجارية، وهي بعيدة كل البعد عن الصحافة ودورها التنويري.

الأدهى من ذلك، أن هذه الظاهرة تتفاقم في ظل غياب معايير واضحة وشفافة لتوزيع الدعم العمومي. إذ تشير المعطيات إلى أن المقياس المستخدم لتوزيع الدعم يركز على عدد محدود من المطابع، والتي يقال إنها “محظوظة”، حيث استفادت بشكل حصري من هذه الموارد الضخمة، فيما تترك بقية الفاعلين في القطاع لمصيرهم.

في المقابل، تسعى الوزارة الوصية إلى فرض شروط تعجيزية على المقاولات الصحفية الصغرى، التي بالرغم من قلة مواردها، تحقق تأثيرا كبيرا في المشهد الإعلامي الوطني، وتلعب منذ أكثر من عقد من الزمن، دورا محوريا في تعزيز التعددية الإعلامية والتعبير عن قضايا المواطن.

إن تخصيص دعم يصل إلى 600 مليون سنتيم سنويا لمطابع تجارية، دون أدنى التزام بتطوير المشهد الثقافي والإعلامي، يظهر غياب رؤية استراتيجية حقيقية للنهوض بالقطاع.

هذا الدعم الذي بات وكأنه “حق مكتسب”، يكشف حجم المفارقة الصارخة بين من يعمل في مجال الصحافة ويواجه التحديات يوميا، وبين من يستفيد من موارد عمومية دون أي التزام حقيقي تجاه المجتمع والثقافة.

إن إصلاح منظومة الدعم في قطاع النشر والطباعة أصبح ضرورة ملحة، ليس فقط لضمان الشفافية والعدالة، ولكن أيضا لضمان توجيه الموارد نحو تعزيز الصحافة الوطنية ودعم المقاولات الإعلامية التي تعتبر ركيزة أساسية للديمقراطية والتعددية. فالمغرب اليوم بحاجة إلى إعلام قوي ومتنوع، وليس إلى مطابع تجارية تعيد بيع ورق مدعم أو تطبع ما لا يخدم القضايا الوطنية الكبرى.

 

 


شارك بتعليقك

شاهد أيضا
اشتراك في القائمة البريدية
   

إشترك بالقائمة البريدية لكواليس اليوم لتتوصل بكل الجديد عبر البريد الإلكتروني