بداية، يجدر التذكير بأن دعم الصحافة والنشر في المغرب هو قرار ملكي يعود إلى عام 2002، عندما أصدر صاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله توجيهاته السامية بضرورة دعم الصحافة المكتوبة في إطار تحسين أوضاعها المهنية والاقتصادية.
ومنذ ذلك الحين، شهد هذا القطاع عدة مراحل من الدعم الذي ساهم في استمرارية العديد من المقاولات الصحفية، خاصة تلك الفتية والمتعثرة، التي كانت في أمس الحاجة لهذا الدعم لتتمكن من أداء دورها في تعزيز التعددية الإعلامية ونقل الأخبار بطريقة مهنية وشفافة.
لكن اليوم، ومع إعلان الوزير المهدي بنسعيد، وزير الشباب والثقافة والتواصل، والوزير فوزي لقجع، الوزير المنتدب لدى وزير الاقتصاد والمالية المكلف بالميزانية، عن القرار المشترك الجديد الذي يحدد أسقف الدعم للصحافة والمطابع، نجد أنفسنا اليوم في مرحلة جديدة من الجدل بسبب المرسوم المشؤوم الذي يهدد فعلا استمرارية العديد من المقاولات الصحفية، خاصة الصغرى منها.
القرار الجديد، الذي يأتي في إطار إصلاحات مزعومة، يتضمن شروطا تعجيزية تقصي جل الصحف والمواقع الإلكترونية، وخاصة تلك التي تندرج ضمن فئة المقاولات الصحفية الصغرى والمتعثرة، بما في ذلك الصحف والمواقع التي لا تحقق أرقام المعاملات الضخمة والتي لا تتجاوز ميزانياتها ما تحدده هذه الشروط. بمعنى آخر، القرار سيتيح المجال فقط للمقاولات الكبرى التي تمتلك القدرة المالية على الوفاء بهذه المتطلبات، ما يعني إقصاء واسع لعدد كبير من الصحف المتوسطة والصغرى التي تقوم بعمل كبير في مجال الصحافة والإعلام، وخاصة ما يتعلق بخدمة المصالح العليا للوطن، ومكافحة الأجندات الخبيثة التي تستهدف المملكة.
تكمن المشكلة الرئيسية في أن هذا القرار لا يعكس الواقع الفعلي للقطاع الصحفي في المغرب. فالصحافة المغربية اليوم في أزمة حقيقية، ولا يمكن لقرار وزاري أن يتجاهل هذه الحقائق أو أن يكون حلا. كيف يُعقل أن تظل الحكومة تمنح الدعم للمؤسسات الصحفية الكبرى التي تحقق أرباحا طائلة، بينما لا تقدم أي دعم للمقاولات الصغيرة والمتوسطة التي تواجه صعوبة حقيقية في الحصول على التمويل والبقاء في السوق؟
هذا القرار، بلا شك، يضمن استمرار الهيمنة المالية لبعض اللاعبين الكبار في هذا المجال، ويضرب في الصميم فكرة التعددية الإعلامية التي تعتبر من المبادئ الأساسية في المملكة.
ما زال المسؤولون الحكوميون، رغم معرفتهم التامة بحجم المشكلة، يصرون على هذا القرار الذي لا يتماشى مع فلسفة الدعم المتعارف عليها عالميا. الدعم يجب أن يكون موجها أولا للمقاولات الصحفية التي تعاني من صعوبات اقتصادية، وليس تلك التي لديها ميزانيات ضخمة وموارد كبيرة.
قرار بنسعيد ولقجع، يُعيد إلى الواجهة أزمة حقيقية في توازن القوى في القطاع الإعلامي، ويفتح الباب أمام مزيد من الاحتكار والتهميش للمؤسسات الصحفية الصغيرة التي تمثل جزءا كبيرا من المشهد الإعلامي في المغرب.
هذا المرسوم، وفي حال الإصرار على تنفيذه أو الإبقاء عليه كما صدر مؤخرا في الجريدة الرسمية، سيسبب احتقانا كبيرا في القطاع الصحفي وسيؤدي إلى انهيار المقاولات الصحفية الصغيرة التي تشكل، رغم صغر حجمها، جزءا أساسيا من التنوع الإعلامي في المغرب. نحن اليوم في حاجة إلى سياسة دعم حقيقية، شفافة، ومنصفة، تُشجع على حرية الصحافة والتعددية الإعلامية في المملكة، لا أن تعمل على إقصائها لكي يستفرد اللاعبون الكبار بالمال العام.
محمد البودالي