سقوط حكومة بارنييه يعمّق أزمة السياسة الفرنسية وسط استقطاب برلماني حاد

 

في خطوة تعكس تعقيد المشهد السياسي في فرنسا، صوّت البرلمان الفرنسي مساء الأربعاء على حجب الثقة من حكومة رئيس الوزراء ميشيل بارنييه، إثر استخدامه المادة 49.3 من الدستور لتمرير قانون ميزانية الضمان الاجتماعي دون تصويت برلماني. هذه الخطوة، التي أثارت جدلاً واسعاً، قادت إلى نهاية حكومة بارنييه بحشد 331 صوتاً لصالح مذكرة حجب الثقة، متجاوزة بفارق 43 صوتاً الأغلبية المطلوبة لإسقاط الحكومة.

قرار حجب الثقة جاء بمبادرة مشتركة من حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف وتحالف الجبهة الشعبية الجديدة اليساري، مما يعكس انقساماً غير مسبوق في المشهد السياسي الفرنسي. وقد لجأت المعارضة إلى هذا التصعيد كرد فعل على استخدام بارنييه للمادة 49.3، التي تمنح الحكومة صلاحية فرض قوانين دون تصويت برلماني، ما أثار حفيظة العديد من النواب الذين رأوا في هذا الإجراء تعدياً على الدور التشريعي للبرلمان.

لم يكن سقوط حكومة بارنييه مفاجئاً للمراقبين، حيث يعاني البرلمان الفرنسي من أزمة هيكلية منذ الانتخابات التشريعية الأخيرة التي دعا إليها الرئيس إيمانويل ماكرون في يوليو الماضي عقب حله البرلمان. تلك الانتخابات أفرزت مشهداً برلمانياً مشوشاً، غابت فيه أغلبية واضحة، مما جعل الحكومة تواجه صعوبات متكررة في تمرير مشاريع القوانين، خاصة مع تصاعد التوترات بين الكتل السياسية.

إقالة الحكومة تضع الرئيس ماكرون أمام تحدٍ جديد في اختيار رئيس وزراء قادر على بناء توافق بين التكتلات المتصارعة. ومع استمرار الاستقطاب السياسي، تبرز تساؤلات حول قدرة القيادة الفرنسية على تجاوز هذه المرحلة الحرجة واستعادة الاستقرار التشريعي.

هذا التطور يعكس أبعاداً أعمق للأزمة التي تواجه فرنسا، ليس فقط على صعيد تسيير الحكومة، بل أيضاً فيما يتعلق بثقة المواطنين في النظام السياسي ككل. ومع تنامي شعبية الأطراف المتطرفة وضعف الكتل التقليدية، يبدو أن فرنسا أمام مفترق طرق يتطلب إعادة صياغة استراتيجية لتحقيق التوازن بين السلطة التنفيذية والتشريعية، وضمان التوافق السياسي الضروري لتسيير شؤون البلاد بسلاسة.

سقوط حكومة بارنييه ليس سوى حلقة جديدة في سلسلة الأزمات التي تواجه فرنسا، وهو إنذار واضح بضرورة إصلاحات جوهرية للحفاظ على استقرار النظام السياسي ومنع تفاقم الفجوة بين الطبقة السياسية والمجتمع الفرنسي.

 

 


شارك بتعليقك

شاهد أيضا
اشتراك في القائمة البريدية
   

إشترك بالقائمة البريدية لكواليس اليوم لتتوصل بكل الجديد عبر البريد الإلكتروني