على حين غرة، ودون سابق إنذار، وجدت المقاولات الصحفية الصغرى بالمغرب نفسها على مفترق طرق، وسط قرارات تنظيمية جديدة تهدد استمراريتها وتحد من تأثيرها.
لكن تصريحات وزير الشباب والثقافة والتواصل، المهدي بنسعيد، خلال حفل الجائزة الوطنية الكبرى للصحافة، أثارت موجة من التساؤلات والتفاؤل الحذر. فهل يمكن اعتبار ما أعلنه الوزير، بشأن إعداد مرسوم جديد للدعم، خطوة نحو إنصاف المقاولات الصغرى، أم أنها مجرد محاولة لاحتواء الغضب المتصاعد في الأوساط الصحفية؟
لقد شكل حديث الوزير لأول مرة عن “المقاولات الصحفية الصغرى” بادرة مهمة، تعكس اعترافا متأخرا، لكنه كان ضروريا لأهمية هذا المكون الحيوي في المنظومة الإعلامية الوطنية.
هذه المؤسسات، رغم تواضع إمكانياتها المادية واللوجستية مقارنة بالمقاولات الصحفية الكبرى التي وصفها الوزير بـ”التاريخية”، إلا أنها تلعب دورا جوهريا في تعزيز التعددية الإعلامية، وإثراء النقاش العام، وخدمة القضايا الوطنية داخل المغرب وخارجه.
غير أن الاعتراف وحده لا يكفي. فالواقع أن هذه المقاولات تواجه تحديات كبيرة، أهمها محاولات الإقصاء من منظومة الدعم الوطني، وتركها لتبحث عن حلول عبر المجالس الجهوية أو مؤسسات محلية، في مشهد أقرب إلى تسول الفتات على عتبات المنتخبين المحليين.
هذه الوضعية لا تليق بالمقاولات الصحفية التي قطعت سنوات طويلة من العمل الجاد والمهني، وأثبتت جدارتها في خدمة القضايا الوطنية، والدفاع عن الثوابت والمقدسات، والوصول إلى قراء في كل بقاع العالم.
دعم المقاولات الصحفية الكبرى والتاريخية، التي لا يمكن إنكار دورها العريق في تكوين الأجيال الصحفية الحالية، وأغلب أرباب المقاولات الصحفية الصغرى منهم، وقيادة المشهد الإعلامي لسنوات، لا يجب أن يكون على حساب المقاولات الصغرى. فالمنظومة الإعلامية المغربية ليست هرمية تقوم على مؤسسات كبرى فقط، بل شبكة متكاملة تتطلب حضورا قويا للمؤسسات الصغرى والجهوية التي تعكس تنوع الوطن وثراء مجتمعه.
تصريحات الوزير حول إعداد مرسوم جديد للدعم تفتح باب الأمل، لكنها في الوقت ذاته تضع الوزارة أمام اختبار حقيقي. فالحديث عن “عدم الإقصاء” و”احترام شروط إنشاء المقاولة الإعلامية” ينبغي أن يترجم إلى سياسات واضحة ودعم عادل. لا يمكن أن يقتصر هذا الدعم على الجهوية فقط، لأن قاعدة قراء هذه المقاولات ليست محلية فحسب، بل تشمل المغاربة والعرب في كل أنحاء العالم، كما أثبتت إحصائيات شركات دولية مثل جوجل، إذ حيثما وُجد قارئ مغربي أو عربي، إلا وكان لهذه المنابر تأثير ونفوذ لا يمكن إنكارهما.
إن مسؤولية الوزارة تتجاوز مجرد إصدار مرسوم دعم، إلى وضع رؤية استراتيجية شاملة تراعي التوازن بين المؤسسات التاريخية والمقاولات الصغرى، وتضمن استمرار التعددية الإعلامية، التي هي ركيزة الديمقراطية وحرية التعبير، وأي تجاهل لدور المقاولات الصغرى أو محاولة تقزيمها لن يؤدي إلا إلى إفقار المشهد الإعلامي الوطني، وإضعاف قدرته على مواجهة التحديات.
في الختام، على الوزير بنسعيد أن يدرك أن إنصاف الصحافة التاريخية لا يمكن أن يكون مبررا لإقصاء الصحافة الصغرى، وأن دعم الإعلام الوطني يتطلب منظومة شاملة، تعطي لكل مكون حقه، وتحمي التعددية والتنوع، التي تمثل روح الإعلام وأساس رسالته.
بقلم: محمد البودالي