في وداع سنة…تقليد الحصيلة

 

أيام قليلة تفصلنا عن معانقة سنة جديدة، ووداع السنة الجارية…تنشط الذاكرة، فتستدعي ما تم وما لم يتم، لحظات مشرقة، ونقيضها الكئيبة المظلمة…فنفرح لعمل تكلل بالنجاح وكان مصاحبا بالتوفيق، ونقلق لآخر تعثر أو أُجل إلى سياق وظرف آخر…فقد تسربت إلى ثقافتنا الخاصة والمؤسساتية، ممارسة هذا التمرين الدوري، المستنسخ من تقاليد القطاع الخاص، المحكومة بالدقة وبيان الحصيلة، ومدى القرب أو البعد من تحقيق الأهداف المسطرة، ومقارنة رقم الأعمال الحالي بالسنوات السابقة، وتبرير نجاحاته وتطوراته كما إخفاقاته…تمرين عسير ولا شك، لأنه مرتبطة بفعل التذكر ومقاومة النسيان…وفي سياقات أخرى بتقديم الحساب وتحمل المسؤولية…وفي مجالات أخرى، بممارسة الترويج والتثمين والتسويق…ولم لا فتح آمال جديدة ونوافذ للفعل المستقبلي…
ما الذي شَدنا في السنة الماضية؟ لكل منا مجاله الخاص، ودائرة أحلامه وأولوياته…وكل منا لا بد أن ينظر إلى السنة التي نودعها، وهو يبحث لها عن عنوان عريض، أو مناسبة يعتبرها مختزلة لزمن سنة…فبعض الأحداث، بغض النظر عن الوصف الذي نضفيه عليها، تغطي على باقي الزمن، وتظهر وكأنها الوحيدة القادرة على التأريخ للسنة، فلقد اختزل أجدادنا، عن صواب وحق، سنة في أحداث مؤسسة لها، فنقرأ منها: عام البون، عام الكيلو، عام الجوع، عام الماريكان…مما اهتم به مؤرخو التاريخ الشعبي، وفي مقدمتهم الأستاذ عبد الأحد السبتي، في عمله الرائع ذو العنوان المميز “من عام الفيل إلى عام الماريكان: الذاكرة الشفوية وإشكالية التدوين التاريخي بالمغرب”؛
تظهر أحداث عديدة تصلح لكي تكون هذا العنوان الجامع…وفي التفاصيل يكمن الإشكال…فالمهتمون بالقضايا الدولية يعتبرون مثلا عنوان السنة هو أحداث الشرق الأوسط، وتداعياتها، وقد يقول قائل إنها الرئاسيات الأمريكية وعودة “الترامبية” إلى قيادة العالم، بعد ترقب وتشويق ميز الحملة الانتخابية وإعلان النتائج…وقد يهتم البعض الآخر بقضايا الوطن، ويعتبرها مقدمة على غيرها، وهي الخانة التي أحبذ أن أصف فيها السنة التي نودعها…لكن عنوان هذه السنة أيضا هو مثار اختلاف مرده التقدير، وتباين المواقع كما الاهتمامات…فالمنشغلون بالملفات السياسية سيعتبرون ولا شك الاعتراف الفرنسي بالسيادة المغربية على صحرائه الحدث الأبرز خلال هذه السنة…وقد يكون العنوان بالنسبة للمهتمين بالشأن الرياضي احتضان المملكة لنهائيات كأس العالم لسنة 2030…ويمكن أن تقترح الحركة النسائية عنوان مراجعة مدونة الأسرة كأهم حدث ينهي تفاصيل هذه السنة….
إن الاختلاف في تحديد عنوان للسنة، لا يعود فقط إلى اختلاف المقاربة والموقع…ولكن أيضا إلى زخم الأحداث التي عرفتها بلادنا خلال السنة التي نودعها، من السياسة إلى الاقتصاد إلى الملف الاجتماعي إلى المجال الرياضي…هذا لا يعني أن هوامش مؤثرة مقلقة لا زالت في حاجة إلى العناية والتأطير والمواكبة…لكنها لا تمنعنا من رؤية الجانب الممتلئ من الكأس، وهو الجانب الذي سيحفز الجميع ولا شك للمثابرة ورفع التحديات، المنظورة والمستقبلية، لا سيما وأن في أجندة بلادنا مواعيد كبيرة؛ وطنية ودولية…لهذا نودع سنة هامة برهانات أهم بالنسبة للسنة المقبلة…وكل عام وأنتم والوطن بألف خير…
دة. حنان أتركين


تعليقات الزوار
  1. @علي المغربي

    لقد عرفت السنة المنصرمة أحداثاً عديدة و أساسيّة لا يجب إغفالها، نقشت في ذاكرة الشعوب الحرة صورة قاتمة و مُظلمة، نَفَق لا حالك تمرّ من خلاله مجموعة من الدول التي لا تعرف نهايته و لم يَلُح لها أيَّ بصيص من نورٍ يبعث في نفسها امَلَ الخروج منه، طغت الامبيريالية العالميّة و استحودَت على قيادة العالم إلى أسوأ الأحوال، عملت هذه الامبيريالية على التدخّل في شؤون الدول معتبِرةً أنّ بعضَها مارقةٌ و خارج عن طوعها فاستباحت دماء الأبرياء العُزَّل و ألصقت بهم تُهمة “الارهاب” و “التطرُّف” و غيرها من التُّهَم، ما جعل هذه الامبريالية تخرق جميع القوانين و المواثق و الأعراف الدولية و الإنسانيّة و الأخلاقيّة، فجاءت بقوانين خاصّة بها لا تُراعي فيها لا أخلاقاً و لا حسّاً بشريّاً، قتلت الآلاف و جرحت الآلاف من النساء و الأطفال في فلسطين و دمّرت البيوت على رؤوس سكانها كما خرّبت قطاع غزة بالكامل و كانّ البلد قد تعرض لزلزال شديد القوة أو أُطلِقت عليها قنبلة هيروشيما الذرية.. تكالبت دول تدّعي الديمقراطية و حقوق الإنسان على فلسطين و لبنان و اليمن دون أنْ تأبَه للأصوات الحرة التي تُنادي بالكفّ عن جرائمها الفظيعة التي تُدمي القلوب و تشمئِزّ منها النفوس، جرائم في حقّ البشريّة و إبادة جماعيّة للمدنيّين العُزّل، أطفال و نساء و عجزة تُشتِّت القنابل و الصواريخ أجسادَهم، يُنْقلون أشلاءً في الأكياس إلى المشافي في غزة الفلسطينية، المشافي التي خرجت عن الخِدمة جرّاء القصف الإسرائيلي لمبانيها و طواقمها الطبّيّة و المرضى اللّجئين إليها. منع لسيارات الإسعاف من التحرُّك لإنقاذ الأناس الذين هم تحت رُكام البيوت و الملاجئ و استهداف للمواطنين في مدارس الإيواء و في المخيّمات و أثناء تنقُّلهم في الطرقات.. جُثَث المواطنين مرمية في الشوارع و الأزقّة تنهشُها الكلاب أمام أنظار القوات الإسرائيليّة التي تُطلق النار على كلّ مَن يُحاول جمعَها و دفْنَها، طواقم طبية تتعرض للقتل و التنكيل و الاعتقال حتّى لا تُسعِف المرضى و المصابين الذين هم في حاجة إلى الرعاية و إنقاذ أرواحهم،، تهجير لأناس لا ذنبَ لهم إلّا لأنهم فلسطينيون. و من بقي حيّاً منهم لا يجدون مأواً آمِناً يلجأون إليه، كلّ المناطق في غزة مُعرَّضةٌ للقصف و الهجَمات بالصواريخ و القذائف. آلاف الغزّاويين يقطنون خياماً مهترئةً لا تحميهم من البرد القارس و سيول الأمطار التي غمرت خيامَهم، إضافةً إلى منع أيّة مساعدة إنسانيّة، من أغذية و أدوية و مياه صالحة للشرب و خيام و أغطية و أطباء و طواقم الإسعاف، تحدث هذه المآسي الإنسانيّة أمام الأمم المتحدة و مُنظّمالها القانونيّة و الإنسانيّة التي عجزت أمام غطرسة أمريكا التي تتحكّم في مهامها المنوطة إليها، طغت الامبيريالية العالمية على العالم و سيطَرت عليه، و صار العالم اليوم عبْداً مأمورا يأتمِرُ بأوامرها و ينتهي بنواهيها…

شارك بتعليقك

شاهد أيضا
اشتراك في القائمة البريدية
   

إشترك بالقائمة البريدية لكواليس اليوم لتتوصل بكل الجديد عبر البريد الإلكتروني