ازدواجية خطاب ونفاق سياسي مفضوح

الجزائر تتباكى على حقوق الإنسان وتطالب بعقوبات على مالي: ازدواجية الخطاب والتناقض الواضح

في خطوة أثارت الكثير من التساؤلات والانتقادات، خرج النظام الجزائري يطالب بإنزال عقوبات دولية على الحكومة المالية، عقب هجوم شنه الجيش المالي على مواقع للطوارق في منطقة حدودية بين البلدين.

تأتي هذه التصريحات لتكشف مرة أخرى ازدواجية الخطاب الرسمي الجزائري، الذي يتناسى مسؤوليته عن أزمات مشابهة في المنطقة، بل ودوره في تغذية النزاعات ودعم الانقسامات.

الجزائر التي عبر سفيرها لدى الأمم المتحدة، عمار بن جامع، عن انزعاجها من استخدام “الجيوش الخاصة” مثل “فاغنر” في مالي، تغض الطرف عن تاريخها الطويل في دعم حركات مسلحة ومعارضة ذات طابع انفصالي في دول الجوار. ولعل أبرز مثال على ذلك دعمها لجبهة “البوليساريو”، التي تمثل رمزا للانفصال والتأجيج في منطقة الصحراء، ودورها المباشر في تعميق النزاع الإقليمي مع المغرب.

النظام الجزائري الذي يتحدث عن انتهاكات القانون الإنساني، يبدو وكأنه نسي أفعاله في تأجيج الصراعات في إفريقيا، حيث يعتبر شريكا غير مباشر في خلق بيئات غير مستقرة.

إن اتهام الجزائر لمالي باستخدام مسيرات تركية ودعم “فاغنر” يكشف مخاوف النظام من تراجع نفوذه في منطقة الساحل، في ظل سعي مالي للتحالف مع قوى دولية وإقليمية جديدة لتحقيق استقرارها الداخلي بعيدًا عن الوصاية الجزائرية.

ولعل ما يثير الاستغراب أكثر هو محاولة الجزائر ارتداء عباءة الدفاع عن حقوق الإنسان والطوارق، رغم سجلها الحافل بالانتهاكات داخل حدودها. فالطوارق، الذين تدعي الجزائر اليوم الدفاع عنهم، لطالما عانوا من الإهمال والتهميش، ليس فقط في مالي، بل أيضا في المناطق الجنوبية الجزائرية حيث يعيشون في ظروف صعبة دون أي اهتمام حقيقي من النظام.

النظام الجزائري يحاول الآن عبر هذا الخطاب صرف الأنظار عن أزماته الداخلية وتغطية إخفاقاته الاقتصادية والاجتماعية، بتوجيه سهام الانتقاد لدول الجوار. كما أن تصعيده ضد مالي يعكس فشله في فرض هيمنته التقليدية على منطقة الساحل، التي تشهد تحولات عميقة بعيدا عن التأثير الجزائري.

من الجدير بالذكر أن مالي، الدولة ذات السيادة، تتخذ قراراتها بناء على مصالحها الداخلية، ولا يمكن للجزائر أن تمارس عليها دور الوصي. والادعاء بأن هناك “مؤامرة” تقودها دول بعيدة عن المنطقة هو خطاب يتكرر كثيرا في أدبيات النظام الجزائري، الذي يجد دائما شماعة خارجية لتبرير فشله.

إذا كانت الجزائر جادة في الحديث عن احترام القانون الدولي وحقوق الإنسان، فعليها أن تبدأ بمراجعة سياساتها الداخلية والإقليمية، والتوقف عن دعم الحركات الانفصالية وزرع الفتن في إفريقيا. كما أن خطابها الحالي تجاه مالي ليس سوى محاولة فاشلة لتبييض صورتها الملطخة بالتناقضات والانتهاكات.

مالي، كدولة مستقلة، لها الحق الكامل في اتخاذ جميع الإجراءات التي تراها ضرورية للحفاظ على سيادتها وأمنها الداخلي. ولن يكون من المقبول أن يتحدث نظام معروف بتصدير الأزمات عن فرض عقوبات على دولة تسعى لاستقرارها في مواجهة تحديات أمنية خطيرة.

خلاصة الكلام: الرد الجزائري لا يعكس سوى حالة إحباط من تغير موازين القوى الإقليمية، وافتقار النظام الحاكم إلى رؤية واقعية تعكس احتراما حقيقيا للسيادة الإقليمية.

 

 


شارك بتعليقك

شاهد أيضا
اشتراك في القائمة البريدية
   

إشترك بالقائمة البريدية لكواليس اليوم لتتوصل بكل الجديد عبر البريد الإلكتروني