في زمن يسهل فيه التحقق من كل شيء، يصر بعض “إخوان” توفيق بوعشرين على تكذيب السيل الجارف من الأدلة والبراهين، ليقدموا تضامنهم المريب مع من لا يستحق سوى الإدانة.
هذا هو حال جوقة المتضامنين مع توفيق بوعشرين، الذين لا يتحركون بدافع الإيمان بالعدالة أو برغبة في إنصاف مظلوم، بل تحت لواء الشعار المنحرف: “أنصر أخاك فاعلا أو مفعولا به”، ليصبح هذا التضامن ستارا يخفي وراءه انتماء مشتركا إلى نادي النزوات الأخلاقية الفظيعة.
من يتأمل في أصوات التضامن، يدرك أن هؤلاء ليسوا سوى شريحتين متناقضتين في الشكل، لكنهما متفقتان في الغاية: الأولى غارقة حتى النخاع في وحل الفساد الأخلاقي، يعرفون أنفسهم جيدا ويعرفهم الجميع، لكنهم لم ينكشفوا بعد، بفضل ما يملكونه من تحصينات ومهارات في التواري خلف الأقنعة. والثانية، وهي الفئة الغبية التي تعيش على هامش الإدراك، ترفض تصديق الحقائق رغم وضوحها وضجيجها. وهؤلاء يغمضون أعينهم عن الفيديو الفاضح الذي لم يترك مجالا للشك، وعن الحكم القضائي النهائي الذي كان بمثابة شهادة دامغة على الأفعال المقيتة التي اقترفها بوعشرين.
أن ينكر المرء الحقائق الواضحة، فهذا يعكس إما غياب الوعي، أو شراكة غير معلنة في الأيديولوجيا التي تبرر السقوط الأخلاقي. فالمتضامنون مع بوعشرين يحاولون تصوير القضية وكأنها مؤامرة على حرية الصحافة والرأي، بينما يعرف الجميع أن جرائمه لا علاقة لها بالقلم والكلمة، بل تتعلق بجرائم جسدية موثقة وبشعة، جرائم تعود تفاصيلها إلى كنبة شهيرة، كانت مسرحا للاعتداءات على نساء بريئات، من بينهن متزوجات وحوامل، عانين من استغلال السلطة والنفوذ على نحو يندى له الجبين.
وما يزيد الأمر قبحا هو محاولة بعض المتضامنين اللعب على أوتار المظلومية والتشكيك في العدالة، رغم أن القضية مرت بجميع مراحل التقاضي، وأصدر القضاء المغربي حكمه النهائي القائم على الأدلة والبراهين. أما الفيديوه الذي انتشر، فقد كانت بمثابة “الضربة القاضية” التي أفقدت هؤلاء أي قدرة على الدفاع المنطقي، فباتوا يلجؤون إلى عبارات فارغة ومحاولات بائسة لتزييف الواقع.
ولعل السؤال الذي يفرض نفسه هنا هو: لماذا يتضامن هؤلاء مع بوعشرين؟ الإجابة قد تكون أبسط مما نتخيل. التضامن هنا ليس تضامنا بقدر ما هو “دفاع عن الذات”. هؤلاء يعرفون أن انكشاف بوعشرين قد يفتح الطريق نحو انكشاف المزيد منهم. فمن تعود على انتهاك الأخلاقيات والقيم لا يمكنه إلا أن يشعر بالتهديد عندما يسقط أحد أقرانه.
إن هذا التضامن المزعوم لا يقتصر فقط على صديق يناصر صديقه، بل يمتد إلى منظومة كاملة تتغذى على التواطؤ، وتبرير الفساد الأخلاقي، وإيجاد الأعذار للمجرمين. المتضامنون مع بوعشرين هم أنفسهم الذين يخشون من أن تدور الدوائر عليهم يوما ما، ولا يجدون من يدافع عنهم.
الرأي العام المغربي ليس غافلا عن هذه اللعبة القذرة. الشعب يعرف الحقيقة، ويرى كيف يحاول البعض تشويه الوقائع وتزييف الأحداث. لكن الحقيقة تبقى ساطعة، لا يخفيها بيان ولا يحجبها خطاب. بوعشرين ارتكب جرائم موثقة، ونال العقاب الذي يستحقه، وكل محاولات إنقاذ صورته لن تفلح سوى في كشف المزيد عن فساد مناصريه.
التضامن مع الظالم ليس مجرد سقطة أخلاقية، بل هو مشاركة صامتة في الجرائم المرتكبة. ومن يحاولون تبرير الأفعال المشينة لبوعشرين، أو تصويره كضحية، إنما يشاركون في قتل الحقيقة وتشويه العدالة. لكن الزمن كفيل بإسقاط الأقنعة، وكشف ما وراء الستار، ليبقى صوت الحق هو الأقوى، رغم أنف المضللين.