منذ الأيام الأولى لوفاة الشاب ياسين الشبلي، تعاملت السلطات المغربية بكل مؤسساتها المعنية مع الواقعة بكل ما تفرضه القوانين من تحقيق قضائي نزيه ومسؤول، تحت إشراف النيابة العامة المختصة، التي أمرت بفتح بحث معمق للكشف عن ظروف الوفاة، وضمان جميع حقوق الضحية وعائلته، دون أي تدخل أو تسويف.
لكن، كما هي العادة في مثل هذه القضايا الحساسة، لا تغيب الجهات التي تصطاد في الماء العكر، ولا يتأخر المتاجرون بالمآسي عن الركوب على أي ملف، بهدف تصفية حسابات سياسوية أو أيديولوجية، حتى ولو كان الثمن هو الإساءة إلى سمعة الوطن، والمؤسسات، ورجالات الأمن، الذين يسهرون ليلاً ونهاراً على حماية أرواح الناس وممتلكاتهم.
إن ما حدث للمرحوم ياسين الشبلي، بكل ما يثيره من ألم وتعاطف، هو تحت أنظار القضاء المغربي الذي يتولى فحص حيثياته بشكل مستقل، كما أن المديرية العامة للأمن الوطني، المعروفة اليوم أكثر من أي وقت مضى، بصرامتها في زجر التجاوزات المهنية، كانت ولا تزال السباقة في إحالة كل من يشتبه في تورطه في خروقات مهنية على لجان التفتيش والمتابعة القضائية، دون محاباة أو تساهل.
وما لا يجب أن نغفله في هذا السياق، هو أن جهاز الأمن، كغيره من المؤسسات، يضم الصالح والطالح، كما هو الحال في كل مهنة، من الطب إلى التعليم إلى المحاماة إلى الصحافة نفسها، ولا أحد فوق القانون. الفرق فقط هو أن مؤسسة الأمن، في عهد عبد اللطيف الحموشي، رسّخت لدى الجميع — مواطنين وأمنيين — قناعة راسخة مفادها:
“كل من أخطأ سيحاسب، ولا أحد فوق المساءلة”.
ويكفي أن نستحضر العشرات من الملفات التأديبية والقضائية التي طالت أمنيين تورطوا في تجاوزات، والتي لم تتوانَ المديرية العامة عن زجرها بقوة القانون. بل إن الرأي العام بات يردد على لسانه: “إيلا وصلات للحموشي ما كاينش التساهل”، وهو تعبير صادق عن الثقة المتنامية في هذه المؤسسة وقيادتها.
رغم هذا، يخرج علينا بين الحين والآخر من يحاول قلب الحقائق وتزييف الوقائع، مثل المدعو هشام جيراندو، الذي لم يترك ملفاً إلا واستغله، ولا قضية إلا وحوّلها إلى مادة للابتزاز والركوب السياسي، ناسياً أو متناسياً أنه هارب من العدالة، ومتورط في سلسلة من القضايا القضائية داخل وخارج المغرب.
جيراندو، بكل صفاقة، يطالب بإقالة الحموشي! لماذا؟ لأن شرطياً أخطأ؟ أليس هذا هو جوهر القانون؟ أن يخطئ أحدهم، فيُحاسب؟ ألم يُفتح تحقيق؟ ألم يتم تقديم المتورطين المفترضين للقضاء؟
إذن أين التواطؤ؟ وأين الإفلات من العقاب الذي يتحدث عنه المشككون؟
القضية بين أيدي القضاء، والتحقيقات جارية، ومن أخطأ سيحاسب، وهذا هو المبدأ الذي يحكم دولة المؤسسات. أما تحويل الواقعة إلى مطية للتشهير والتشويش على مؤسسات الدولة، فذلك ما لن يقبله المغاربة، ولن تنطلي حيله على من يعرف حقيقة الوطن، وحقيقة من يتاجرون بدماء الآخرين لأهداف رخيصة.
في عهد السيد حموشي، أصبحت المؤسسات الأمنية المغربية، من أكثر مؤسسات الدولة التزامًا بربط المسؤولية بالمحاسبة، ولا تنتظر تعليمات من الخارج لتقوم بواجبها. ويبقى القضاء هو الفيصل، أما الحملات المأجورة، فسرعان ما تنكشف، ويتساقط أصحابها كما تساقط غيرهم ممن ظنوا أن التشويش يُسقط الدول.