طحن الورق بين المادي والمجازي في تصريح البرلماني التويزي

السعيد بنلباه
أثار تصريح أحمد التويزي، رئيس فريق الأصالة والمعاصرة بمجلس النواب، خلال مناقشة مشروع قانون المالية لسنة 2026، يوم الثلاثاء 28 أكتوبر 2025، عاصفة من الجدل السياسي والإعلامي، بعدما قال إن “دعم القمح الذي يكلف الدولة حوالي 16.8 مليار درهم لا يخضع للمراقبة الكافية”، مضيفاً أن “هناك شركات تقوم بـطحن الورق فقط لتقديمه كقمح مدعم يستهلكه المغاربة الفقراء”.
العبارة كانت كفيلة بإشعال الجدل داخل قبة البرلمان وخارجها، حيث توالت ردود الفعل الغاضبة، مطالبة التويزي بـتقديم الأدلة التي تثبت اتهاماته، في حين دعت أصوات سياسية وحقوقية إلى فتح تحقيق قضائي من طرف النيابة العامة في ما ورد على لسانه.
أما الفيدرالية الوطنية للمطاحن فقد عبّرت عن استنكارها الشديد لما سمّته “تصريحات خطيرة وغير مسؤولة”، معتبرة أن ما جاء على لسان البرلماني “عارٍ تماماً من الصحة”، ودعت التويزي إلى “تقديم ما يثبت مزاعمه عبر القنوات القانونية بدل التلميحات التي تمس بسمعة قطاع حيوي”.
وتحت ضغط الجدل، سارع التويزي إلى إصدار توضيح للرأي العام في مساء اليوم نفسه، قال فيه إن تعبير “طحن الورق” الذي استعمله لم يكن يقصد به المعنى الحرفي أو الفعل المادي في عملية الطحن، وإنما مجرد “مجاز سياسي” يقصد به “التلاعب في الوثائق أو الفواتير المتعلقة بالدقيق المدعم”، نافياً أي إيحاء يتعلق بجودة المواد الاستهلاكية أو سلامتها.
وأوضح التويزي أن تصريحه أُخرج من سياقه الحقيقي لأغراض الإثارة الإعلامية، مشيراً إلى أن هدفه كان “التنبيه إلى ضرورة تعزيز المراقبة على مسالك الدعم العمومي وضمان شفافية تدبيره”.
ومع ذلك، يبقى السؤال مطروحاً:
هل أخطأ التويزي في التعبير فوقع ضحية “المجاز السياسي”، أم أنه لامس حقيقة مزعجة يخشاها المتورطون؟
بين المعنى المادي والمجازي، تاهت العبارة وتحوّلت إلى زلزال لغوي وسياسي كشف هشاشة العلاقة بين الخطاب البرلماني والمسؤولية الكلامية في زمن تتربص فيه الكاميرات بكل كلمة.


شارك بتعليقك

شاهد أيضا
اشتراك في القائمة البريدية
   

إشترك بالقائمة البريدية لكواليس اليوم لتتوصل بكل الجديد عبر البريد الإلكتروني