كواليس اليوم ترصد خبايا فتيات ممتهنات للتسول الممزوج بالدعارة.. متسولة تقول: رجال يعطوننا الصدقة ويطلبوننا للدعارة

 

سلا: مبارك بدري

في مدينة سلا تثيرك أفواج من النساء والفتيات والأطفال الممتهنين للتسول، والأكيد أن عدد النساء المتعاطيات للتسول رقم كبير مقارنة مع جنس الرجال، وفي ذلك دلالة على التردي الخطير للوضعية الاجتماعية والأسرية للمرأة المغربية.

إن المدقق في حيثيات الظاهرة يستشعر أن دائرة تعاطي النساء للتسول تتزايد يوما بعد يوم، حتى تنوعت أجيال الممتهنات للتسول، فلم يعد تسول النساء مقتصرا على العجائز من النساء، بل امتدت حتى طالت الشابات.

أثارني حوار مطول بين شاب ومتسولة انتهت بتبادل أرقام الهاتف، وقررت أن أبحث في الموضوع، فعرضت على ذات المتسولة دون الأربعين من العمر مساعدة مادية لتدلني على خبايا التسول الممزوج بالدعارة، تجاذبت معها الحديث في مشكلات تافهة، حتى يتحقق الانسجام لأسألها واقع التسول في المدن كسلا والرباط. فقالت فاطمة أحصل على صدقات من محسنين لكن عددا منهم يراودونني عن نفسي أمام ابواب المساجد.

وتابعت حليمة فتاة دون العشرين تبيع كتيب “الحصن الحصين” وتتسول في الحافلات، قائلة ترمقني نظرات التحرش الجنسي أكثر من نظرات التعاطف الانساني والتضامني، وأضافت أن الأعين تتراقص لمراودتي على نفسي في المقاهي وأمام ابواب المساجد كما على متن الحافلات.

سعيدة امرأة فوق الأربعين تحتفظ بسمات الجمال المكسور بقلة ذات اليد، تقول: “امتهنت التسول في الشوارع والمقاهي وأمام أبواب المساجد والمصاريف لأحمي نفسي من الذئاب البشرية، لكنني لم أجد في التسول حماية لنفسي. وأردفت “أنه على الرغم من لباسي العادي والبسيط لكنني في كثير من الأحيان، فإن تسلمت صدقة (نقود) من رجل، فإني لا أسلم من إغراءاته إلا بصعوبة بالغة، كوصفي بـ “أني ماشي ديال الطلبة” أو “هاد الزين كامل ويطلب حرام”.

والغريب في جماعة الممتهنات للتسول أنهن يحملن معهن الكثير من الجروح الاجتماعية والأسرية المرعبة، حتى يخيل لك أنك تستعرض معهن شريطا من المآسي، فلكل واحدة منهن حكاية محزنة حتمت عليها الخروج إلى الشوارع العامة للتسول.

فمن الطليقة التي لم تجد من يأويها إلى اليتيمة البئيسة التي لم تجد من يحتضن بؤسها إلى الأرملة التي تعيل أبناء جياع كثر تركهم لها زوج بئيس، وصولا إلى النوع الذي يتخذ من التسول مهنة وحرفة للكسب المريح والربح السريع، بضاعتهم في ذلك بسط خرقة على الأرض تصحبها بترديد أدعية ممولة لاستعطاف المارة والمصلين والمغادرين للحانات والأبناك…

ونحن نستمع إلى قصص العديدات من ممتهنات التسول، تجد أن حكايتهن مؤلمة ومختلفة، إلا أنها تكشف عن بؤس اجتماعي خطير يفتك بالمرأة القروية، حتى أن التقديرات المستخلصة بناء على تصريحات محترفات التسول تفيد، بأن غالبية المتسولات هن من العالم القروي للمغرب.

والحق أن تسول امرأة يمثل عالما غرائبيا، تتنوع أساليبه من استغلال التسول في بيع المخدرات للتلاميذ أمام المؤسسات التعليمية إلى استئجار الرضّع بالساعة للتسول بهم مقابل 20 درهم، إلى التنكر وإدعاء المرض بشواهد طبية أو ادعاء العاهة بفقدان اليد أو الرجل، وأحيانا العجز الكلي وعدم القدرة على الحركة والعمى، ووسائل متعددة لاستمالة عطف المارة.

اقتربنا من إحداهن دون الكشف عن هويتنا الصحفية بمساعدة فتاة تتعامل معهن بجمع دراهم صدقاتهن بأوراق نقدية، وفي دردشة من مدخل التعاطف معهن تحدثت فاطمة بمشاكلها في التسول وتدعو بالعفو عليها بـ”الله يعفو علينا هادشي لي نقولوا” ، بادرناها بالسؤال عن أساس الأسباب التي دعت بها إلى التسول، بدل امتهان العمل كخادمات في البيوت. فأجابت: “ظننت أن التسول سيعفيني من التحرش الجنسي للرجال على اختلاف سنهم، ولذلك احترفت التسوّل درأ لكل مفسدة، لكنني وجدت نفسي تحت تأثير الغواية والإغراء فسقطت في حضن الدعارة غير ما مرة، لكنني كنت أصبح كل يوم متسولة.

وأضافت أن التحرش المستمر في ظل الإهانة الدائمة والمتواصلة دعت بحسبها إلى تحول بعض الفتيات المتسولات لبيع أجسادهن، بل يضاف أن منهن من تعرضن للاغتصاب الجماعي. فحليمة تقول: “إن المجتمع قاسي لا يرحم ضعفها ولا فقرها” .. وأنها تعرضت لمغريات كثيرة للسير في طريق الرذيلة والانحراف و”إن كنت أفضل مذلة التسول على مذلة الدعارة، لكن يكتب على العديد منا الوقوع في الرذيلة”.

وتعتبر خديجة الجبلية “اسمها المهني الذي اختارته” وتقطن بقرية أولاد موسى احصين إحدى أكبر الأحياء الشعبية. شابة في الثلاثين من العمر بمستوى تعليمي ضعيف لا يتجاوز الابتدائي، وبدون حرفة، يتيمة، كانت مجبرة على أن تمد يدها بجسارة كبيرة و يكمن السبب الأول في الفقر، الذي يجعل منها تقبل بأوضع عمل لتستطيع إعالة أسرتها.

وتابعت زهرة “اسمها الحقيقي” بالقول: بأنها ترملت مبكرا، بعد أن ترك لها زوجها الفقير خمسة أطفال جياع، منهم أطفال في سن 12 و 14 من العمر غادروا المدرسة بداعي الفقر واللا استقرار، في حين أن الثلاثة الباقون يتابعون دراستهم، وتتحمل مصاريف تمدرسهم بقليل من عائد التسول وكثير من مردود العهارة.

رجاء فتاة اكتملت أنوثتها وبرزت مفاتنها، يتيمة أبوها البناء الذي قضى نحبه في ورش للبناء وهو غير مُؤَمن، فخلفها مع ثلاثة أطفال وأم طريحة الفراش لإصابتها بداء سرطان الدم، تمتهن التسول بقرية أولاد موسى أحصين، تقل النقل السري صباح كل يوم قادمة من “سيدي الشافي”  بأحواز سلا، وهي اليوم في سن الزواج، لكن حلمها ذلك مؤجل لتحملها عبئ مصاريف أمها المريضة وثلاثة إخوة صغار جياع.

وفي محطة سيارات الاجرة “بحي السلام” تجلس كريمة الشابة مع ابنتها في الصباح الباكر في المكان الذي اعتادت الجلوس فيه ، من حديثها اتضح أنها كانت تعيش مع ابنتها في منزل اهل زوجها كباقي النساء وبعد وفاته ظلت طيلة فترة بقائها في منزل اسرة الزوج المتوفى يمارس عليها اشد العذاب وتسمع اقبح الكلمات وهو ما جعلها تختار مذاق مرارة الصدقة و سماع اصوات دعات الدعارة.

ربما اللقمة، وربما الحاجة، وربما طمع الأسرة أو تفككها، او فقدان معيلها و أسباب أخرى تدفع بفتيات في سن الزهور إلى طرق أبواب التسول الممزوج بالدعارة وهو الامر الذي اصبح يدعو الى القلق والى ضرورة العمل على إيجاد مخرج جاد وفعال لاخراج هذه الفئة من الفتيات من مصيرهم المجهول في عالم التسول و الرديلة و المجون.

[email protected]


شارك بتعليقك

شاهد أيضا
اشتراك في القائمة البريدية
   

إشترك بالقائمة البريدية لكواليس اليوم لتتوصل بكل الجديد عبر البريد الإلكتروني