أكد المتدخلون في يوم دراسي، نظم اليوم الأربعاء بالقنيطرة، أن التدبير الناجع للصفقات العمومية وترسيخ الحكامة الجيدة في تدبير المال العام، يعد محركا أساسيا لتعزيز النمو الاقتصادي والرفع من مستويات الإنتاج والاستثمار.
وأوضح المتدخلون، خلال هذا اللقاء الدراسي، الذي نظمته المديرية العامة للأمن الوطني بتعاون مع محكمة النقض والوكالة القضائية للمملكة والخزينة العامة للمملكة، حول موضوع “المداخل الأساسية لتجويد تدبير منازعات الصفقات العمومية”، أن التدبير الجيد للصفقات العمومية ينعكس إيجابا على حماية المال العام وتوجيه الإنفاق العمومي نحو المشاريع التنموية، ومن ثمة تعزيز النمو الاقتصادي والرفع من مستويات الإنتاجية والاستثمار. وأبرزوا خلال هذا اللقاء، الذي نظم برحاب المعهد الملكي للشرطة، أن الصفقات العمومية، ومن خلال الدور الذي يمكن أن يضطلع به الاستثمار العمومي والخاص في تنشيط الاقتصاد، تظل إحدى آليات الدولة والإدارة العمومية الكفيلة بالإسهام في التنمية، وتأهيل البنيات التحتية وتوفير الشغل.
وفي هذا الصدد، أكد الوكيل القضائي للمملكة، عبد الرحمان اللمتوني، أن الاجتهاد القضائي أرسى مجموعة من المبادئ والقواعد التي تؤطر منازعات الصفقات العمومية، وذلك بهدف صون الشرعية وتحقيق العدالة، مشيرا إلى أن مثل هذه الاجتهادات تجد مبررها في هاجس تحقيق العدل والحفاظ على حقوق المقاولة باعتبارها جزءا من النسيج الاقتصادي وأداة لتحقيق التنمية. وأشار السيد اللمتوني إلى أن الوكالة القضائية للمملكة، وعيا منها بأهمية الوقاية من المنازعات وضرورة التنسيق والتشاور مع باقي الشركاء، عملت على وضع مخطط استراتيجي ينبني على تنفيذ 73 إجراء للرفع من ناجعة تدبير المنازعات والوقاية منها.
ورغم أن النصوص المنظمة للصفقات العمومية تطورت بشكل متلاحق بهدف تحصين هذا النوع من العقود وتقديم حلول عملية للإكراهات ذات الصلة بتنفيذها، يؤكد اللمتوني، إلا أن الخصوصيات السوسيو-اقتصادية “تجعلنا نعاين في كثير من الأحيان تنفيذ صفقات عمومية خارج الإطار القانوني والإجراءات الناظمة، ما ينتج عنه صعوبات وإشكالات تستدعي تدخل القضاء للفصل فيها وتحقيق التوازن المطلوب بين احترام الشرعية والإجراءات الناظمة للصفقات العمومية”. وسجل، في السياق ذاته، أن الإدارة وإن كانت مدعوة إلى احترام الإجراءات والمقتضيات القانونية الناظمة لإبرام وتنفيذ وإنهاء الصفقات العمومية، إلا أنها تجد نفسها في بعض الأحيان أمام إكراهات وصعوبات ناجمة إما عن صرامة أو غموض النص القانوني أو عن ظروف الواقع، خاصة في حالة الاستعجال أو الظروف الطارئة.
من جانبه، أكد نائب الرئيس الأول لمحكمة النقض، محمد نميري، أن تجويد تدبير منازعات الصفقات العمومية، يستدعي التمعن في دراسة الطرق لمعالجة المنازعات الناجمة عن تنفيذ الصفقات، لاسيما صفقات الأشغال، مشددا على أن معالجة هذه المنازعات، في إطار الحكامة الجيدة، يظل رهينا بالإلمام بالمقتضيات القضائية. وأضاف السيد نميري أن تدبير الصفقات العمومية يكتسي أهمية كبرى، باعتبارها ركيزة أساسية لتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية، مبرزا أن حسن تدبيرها بشفافية وحكامة جيدة يساهم في حماية المال العام وتوجيه الإنفاق العمومي نحو مشاريع تنموية ناجعة وهو ما يؤدي إلى تحقيق تنمية شاملة ومستدامة.
وكان مدير الموارد البشرية بالمديرية العامة للأمن الوطني، حفيظ مرزاق، قد أكد في كلمة افتتاحية أن نظام الصفقات العمومية شهد العديد من الإصلاحات القانونية، والتي توجت بإصدار مرسوم 8 مارس 2023، وهو ما أسهم في إرساء مقاربة تروم تعزيز حكامة وتحسين مناخ الأعمال عبر تكريس الشفافية والمنافسة. وسجل السيد مرزاق أن هذا اللقاء يتوخى مناقشة المستجدات القانونية المتعلقة بالصفقات العمومية والاطلاع على الممارسات الفضلى في معالجة المنازعات المترتبة عنها، واستيعاب التوجهات القضائية الحديثة في مجال تسوية هذا النوع من المنازعات.
يشار إلى أن هذا اليوم الدراسي، الذي يجمع بين الجوانب النظرية القانونية والعملية والقضائية، شكل مناسبة للتواصل المباشر من أجل تقديم واقتراح حلول مبتكرة للإشكالات القانونية والتدبيرية في مجال الصفقات العمومية. كما شكل فرصة لدراسة ومناقشة مختلف الجوانب المتعلقة بتدبير المخاطر كرهان وقائي جديد لتحسين تدبير المال العام عبر الصفقات العمومية.