فتحت مصالح المفتشية العامة للإدارة الترابية التابعة لوزارة الداخلية تحقيقات معمقة حول مجموعة من الصفقات العمومية التي تم التخلي عنها من قبل جماعات ترابية لأسباب مختلفة. وجاءت هذه الخطوة بناءً على ملاحظات وردت من اللجنة الوطنية للطلبيات العمومية، وتقارير مالية سابقة تناولت اختلالات في تسيير جماعات محلية.
وتركز هذه التحقيقات على شبهات فساد ومخالفات تتعلق بتجاوز الاعتمادات المالية المرصودة، وإدراج بنود تمييزية في طلبات العروض، فضلاً عن مزاعم محاباة مقربين وحلفاء سياسيين.
أظهرت الأبحاث الأولية للمفتشين وجود اختلالات كبيرة، منها تجاوز مبالغ الصفقات للاعتمادات المالية المرصودة في الميزانيات الجماعية، وصياغة طلبات عروض تضمنت بنودًا تمييزية تسببت في إقصاء عدد من المتنافسين. كما كشفت التحقيقات عن وجود تضارب مصالح بين الجهات المسؤولة عن المشاريع ومستفيدين من الصفقات.
وتضمنت الشبهات تقديم عمولات وامتيازات من قبل بعض أرباب المقاولات لضمان الفوز بعقود مع الجماعات، بالإضافة إلى ضغوط مورست على بعض المقاولين لتقديم عروض مشتركة مع مقاولات أخرى مملوكة لأقارب أو معارف.
طالب المفتشون وثائق ومستندات خاصة بعدد من الصفقات الملغاة، التي ألغيت تحت ذريعة غياب أو نقص الاعتمادات المالية، وفق محاضر وبيانات الميزانيات الجماعية. وأشارت المصادر إلى أن المفتشين استندوا في عملية التدقيق إلى المادة 48 من المرسوم رقم 2.22.349 المتعلق بالصفقات العمومية، التي تحدد معايير تقييم العروض وإسناد الصفقات. وتم التدقيق في أسباب الإلغاء، لاسيما تلك المتعلقة بعدم احترام المساطر أو تضمين طلبات العروض لبنود مخالفة للضوابط القانونية.
أفادت مصادر مطلعة أن المفتشية ركزت على شكايات واحتجاجات رفعها مقاولون ضد رؤساء جماعات، تتعلق بشبهات تلاعب في الصفقات العمومية. وأكدت الشكايات وجود علاقات مشبوهة بين بعض المنتخبين وأرباب مقاولات استفادوا من الصفقات بطرق غير قانونية. كما تضمنت المعلومات تعرض مقاولين لضغوط لإدخال مقاولات أخرى كشركاء ضمن طلبات العروض لضمان الحصول على العقود.
تأتي هذه التحقيقات في إطار جهود وزارة الداخلية لتعزيز الشفافية في إدارة الصفقات العمومية والتصدي لكل أشكال الفساد والتجاوزات. ورغم اعتماد النظام الرقمي عبر البوابة الوطنية للصفقات العمومية، كشفت التحقيقات أن إدارات الجماعات ما زالت تحتفظ بسيطرة كبيرة على عملية صياغة طلبات العروض ودفاتر الشروط، مما يفتح المجال أمام تلاعبات محتملة.
من المتوقع أن ترفع المفتشية العامة تقارير مفصلة إلى وزارة الداخلية حول نتائج هذه التحقيقات، تمهيدًا لاتخاذ إجراءات قانونية ضد المتورطين، سواء كانوا منتخبين أو أرباب مقاولات. كما قد يتم العمل على تشديد الرقابة على الصفقات العمومية عبر تعزيز القوانين والإجراءات التقنية لضمان نزاهة العمليات التعاقدية وشفافيتها.
هذا، ويعكس هذا التحرك إصرار السلطات على التصدي لكل مظاهر الفساد المالي والإداري داخل الجماعات الترابية، بما يضمن احترام القانون وحماية المال العام، وترسيخ ثقة المواطنين في المؤسسات العمومية.