درس من سويسرا للوزيرين بنسعيد ولقجع: دعم الصحافة مسؤولية وطنية لا امتياز للنخب!

في خطوة رائدة، أقر مجلس الشيوخ السويسري تخصيص دعم مالي إضافي بقيمة 35 مليون فرنك سويسري (40 مليون دولار أمريكي) لدعم الصحافة في بلد لا يتجاوز عدد سكانها 9 ملايين نسمة.

هذه المبادرة تأتي بعد ثلاث سنوات من النقاش المستفيض حول مستقبل الصحافة السويسرية، التي تواجه تحديات وجودية تهدد التعددية السياسية والثقافية والاجتماعية في البلاد.

القرار السويسري لم يكن مجرد استجابة للأزمة الاقتصادية التي عصفت بقطاع الصحافة بسبب جائحة كورونا، بل كان تعبيرا عن إدراك عميق لدور الإعلام المهني في تعزيز الديمقراطية وتمكين المواطنين من الوصول إلى المعلومات الدقيقة، في وقت باتت فيه الأخبار الكاذبة والتضليل تهدد الوعي السياسي والاجتماعي.

هذا الدعم الجديد، يستهدف بشكل خاص الصحف الصغيرة التي تُعد ركيزة التعددية الإعلامية في المجتمع السويسري، كما يعزز استدامة الإعلام المهني ويحد من الدعاية الكاذبة التي تزدهر في غياب وسائل إعلام جادة.

في مقابل هذه الخطوة السويسرية الملهمة، نجد أنفسنا في المغرب أمام قرارات مجحفة مثل القرار الوزاري المشترك الذي صدر عن الوزيرين المهدي بنسعيد وفوزي لقجع، والذي يقوض أركان الصحف الصغرى والمتوسطة في البلاد عبر فرض معايير تعجيزية للحصول على الدعم العمومي.

هذا القرار، بدلا من أن يدعم التعددية الإعلامية كما فعلت سويسرا، يبدو وكأنه مصمم خصيصا لإقصاء المقاولات الصحفية الصغرى التي تمثل صوت المواطن البسيط، وتمكين حفنة من المقاولات الكبرى من الاستحواذ على الدعم العمومي.

ففي الوقت الذي أدركت فيه سويسرا أهمية المقاولات الصحفية الصغرى في محاربة التضليل الإعلامي وتعزيز التعددية، يبدو أن مسؤولينا اختاروا مسارا عكسيا يهدد بالقضاء على هذا التنوع الضروري في المشهد الإعلامي المغربي.

القرار السويسري ليس مجرد دعم مالي، بل رسالة مفادها أن الصحافة ليست مجرد قطاع اقتصادي، بل مؤسسة مجتمعية أساسية تشكل وعي المواطن وتحمي الديمقراطية.

أما في المغرب، فإن السياسات الحالية تخاطر بإفراغ الساحة الإعلامية من أي تعددية، وتحويل الصحافة إلى أداة بيد القلة، مما يضر بالمجتمع ككل.

أليس حريا بالوزيرين بنسعيد ولقجع أن يعيدا النظر في قرارهما المشؤوم؟ أليس الأجدر بهما أن يتعلما من النموذج السويسري، الذي يضع الصحافة في صميم أولوياته كدعامة للديمقراطية والتنمية؟ المغرب بحاجة إلى صحافة متعددة الأصوات، لا إلى احتكار يكرس الهيمنة ويقصي الأصوات المستقلة.

الوقت لم يفت بعد لتصحيح المسار. فما قامت به سويسرا اليوم قد يصبح غدا دربا يحتذى به إذا ما وجدت إرادة حقيقية لحماية الصحافة، لا لإقصائها.

محمد البودالي


شارك بتعليقك

شاهد أيضا
اشتراك في القائمة البريدية
   

إشترك بالقائمة البريدية لكواليس اليوم لتتوصل بكل الجديد عبر البريد الإلكتروني