محمود حكميان*
منذ الأعوام الأولى لتأسيسه، كانت هناك على الدوام مساعٍ من أجل خلق أجواء تساعد على جعل النظام الإيراني نظامًا سياسيًا مقبولًا من قبل شعبه والعالم. ولسنا نذيع سرًا عندما نقول بأن منظمة مجاهدي خلق، التي لعبت دورًا مهمًا وأساسيًا في إنجاح الثورة الإيرانية، قد بذلت كل ما بوسعها من أجل حث هذا النظام للسير في طريق ينفتح من خلاله على الشعب وعدم التزامه بنهج يتسم بالدكتاتورية كما كان نظام الشاه.
اللقاء الذي جرى بين زعيم منظمة مجاهدي خلق وخميني، كان ذروة المحاولات النوعية التي قامت بها المنظمة من أجل ثني النظام عن نهجه القمعي الذي يقوم بالإعداد لدكتاتورية دينية لا تختلف عن دكتاتورية الشاه إلا بالشكل فقط. لكن الذي لفت النظام أن خميني قد أجاب على منطق الحوار والمنطق الذي اتبعته المنظمة مع النظام بأسلوب القبضة الحديدية، وحتى إنه منح الأولوية في حساباته من أجل القضاء على هذه المنظمة قضاءً مبرمًا. هذه المحاولة التي قامت بها المنظمة هي في الحقيقة محاولة من أجل عصرنة هذا النظام منذ البداية وثنيه عن سلوك طريق متقاطع مع إرادة الشعب الإيراني ومع منطق العصر السائد في العالم كله.
المواجهة الدموية التي حصلت بين النظام وبين مجاهدي خلق والمستمرة، هي أساسًا مواجهة بين منطق الدكتاتورية الذي يمثله النظام وبين منطق الحرية الذي تمثله مجاهدي خلق. وإن المنظمة عندما أعلنت عن رفع شعار إسقاط النظام وجعلت منه شعارًا مركزيًا لها، فإنها قد قامت بذلك لأنها تعلم بأن هذا النظام لا يمكن أبدًا أن يتلاءم وينسجم مع الشعب الإيراني ومع العالم لأن نهجه القمعي التعسفي الإقصائي لا يسمح بذلك أبدًا.
كل المحاولات التي تم بذلها من قبل البلدان الغربية من أجل إعادة تأهيل هذا النظام وجعله ينفتح على العالم، قد باءت بالفشل ولم تحقق ولو مجرد خطوة ملموسة للأمام. والسبب الواضح جدًا في ذلك هو إصرار هذا النظام على التمسك بنهجه وعدم التخلي عنه، خصوصًا بعد الماراثون الطويل الذي قطعته البلدان الغربية بهذا الصدد والذي أثبت في النتيجة أنه مسعى عبثي من دون طائل.
إن التصريح الأخير للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، يوم الاثنين السادس من يناير الجاري، والذي رأى فيه أن إيران تشكل “التحدي الإستراتيجي والأمني الرئيسي” في الشرق الأوسط وستكون مسألة ذات أولوية في الحوار الذي سيقيمه مع الإدارة الأميركية المقبلة في عهد دونالد ترامب، يعكس واقعًا متجذرًا.
ماكرون وفي خطابه الذي ألقاه خلال الاجتماع السنوي للسفراء الفرنسيين قال إن “إيران هي التحدي الإستراتيجي والأمني الرئيسي لفرنسا والأوروبيين والمنطقة بكاملها وأبعد من ذلك بكثير”، محذرًا بأن “تسارع برنامجها النووي يقودنا على حافة القطيعة”.
وفي هذا السياق، انتقد مايك بومبيو، وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، الحكومة الإيرانية بشدة في منشور عبر حسابه على منصة “X”، مشيرًا إلى تقرير لشبكة فوكس نيوز يكشف عن تنفيذ إيران ما لا يقل عن 1000 عملية إعدام خلال عام 2024. وصرح بومبيو: “لقد كان الشعب الإيراني دائما الضحية الأولى لآية الله خامنئي”. وأكد بومبيو على أهمية الأمل للشعب الإيراني، مشيرًا إلى أن تغيير الإدارة الأمريكية في 20 يناير 2025 سيجلب سياسات مختلفة تجاه إيران. وقال: “لكن على الشعب الإيراني أن يعلم أنه في 20 يناير سيكون لدينا رئيس يعترف بشر النظام الإيراني”.
إن هذا النهج يقرب أكثر من ذلك الخط الذي رسمته مجاهدي خلق في تعاملها مع هذا النظام مع اختلاف يجب الإشارة إليه، وهو أن النظام الإيراني لا يعتبر تهديدًا لفرنسا والأوروبيين والمنطقة فقط، وإنما للعالم كله. وطالما بقي هذا النظام، فإن هذا التحدي والتهديد قائم ولا يمكن أن يزول إلا بزواله.
* عضو لجنة الشؤون الخارجية في المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية