أطروحة التنمية الإنسانية عند المفكر الهندي أماتياسن

إعداد :عبد الواحد بلقصري
باحث في علم الاجتماع السياسي بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة
نبذة عن المفكر الهندي اماتياسن
اماتياكوماسن الحاصل على جائزة نوبل للاقتصاد سنة 1998 هومفكر اقتصادي هندي يدرس في المملكة المتحدة والولايات المتحدة منذ سنة 1972 ،ولد في دكا ببنغلاديش 3نوفمبر 1933 وقدم وسن إسهامات شكلت ثـــــــورة معرفية في مجاالات متعددة :
-اقتصاد الرفاه
– نظرية الخيار الاجتماعي
– العدالة الاقتصادية والاجتماعية
– النظريات الاقتصادية للمجاعة والفقر
– اقتصاد التنمية
– الصحة العامة
– معايير الرفاه للبلدان
وقد كتب العديد من الكتب في هذا المجال (التنمية حرية ،الخيار الاجتماعي والرفاه ،الأخلاق والاقتصــــاد ،الحرية والعقلانية ،الخيار الاجتماعي والسلام والمجتمع الديمقراطي ) وترجمت معظمها للعديد من اللغات
ومن أشهر أقواله “إن إنسانيتنا المشتركة تتعرض لتحديات وحشية عندما توجد التقسيمات المتنوعة في العالم في نظام تصنيف واحد مزعوم يعتمد على الدين أو الجالية أو الثقافة أو الأمة أو الحضارة” .
التنمية الانسانية في كتابات اماتياسن :
ظهر مصطلح التننمة الإنسانية سنة 1998بفضل المفكر الاقتصادي البنغلادشي أماريا سن ومـــــــؤسس أول جمعية للاقتصاد القياسي في الولايات المتحدة الأمريكية الذي قام بالعديد من الدراسا ت حول الفقر في بنغلاديش وصاحب أطروحة التنمية حرية ويعد أول مفكر جمع بين الأطروحة النظرية الحرية والتنمية وأول من أدخل المؤشرات القياسية إلى التنمية الإنسانية ،حيث وإذا كان برنامج الأمم المتحدة للإنماء الاقتصادي والاجتماعي قد وضع أول تقرير للتنمية البشرية لسنة 1990وفق مؤشرات اقتصادية واجتماعية تعتمد على مؤشر العمر المتوقع عند الميلاد ومؤشر القراءة والكتابة فإن امارياسن صاحب نظرية الحرية الذي أكد أنه لايمكن لبلد يتمتع بالحرية بجميع أنواعها أن يعيش تحت ذيل الفقر ،وقد قام بتطوير هذا المفهوم ليصبح أكثر شمولا وأصبحنا امام مفهوم التنمية الانسانية ، والتي عرفها pnud بكونها هي توسيع خيارات الناس الاقتصادية والاجتماعية والسياسية عبر مؤشرات تعتمد على مايلي :
– مؤشر العمر المتوقع عند الميلاد
– مؤشر تقانات المعلومات
– مؤشر الدخل أي الناتج القومي الإجمالي والناتج الوطني الإجمالي
– مؤشر التمثيل والمساءلة
– مؤشر فعالية القانون
– مؤشر ثاني اوكسيد الكاربون
وأصبحنا أمام مفهوم يحمل خيارات شاسعة واقتصادية واجتماعية وسياسية وبيئية ،حيث أن التنمية الإنسانية هي تنمية الناس من أجل الناس وذلك عبر إعطاء الناس الفرص والقدرات ،وفي حديثنا عن تقارير التنمية الإنسانية نجد ا نهاته التقارير ساهم فيها كذلك العـــــــــديد من المفكرين العرب كنادر الفرجاني رئيس الفريق الرئاسي لتقرير التنمية نجد أن هاته ساهم فيها كذلك العديد من المفكرين العرب ،حيث بفضل هؤلاء تم إصدار تقارير التنمية الإنسانية العربية منذ ســــنة 2002 و 2003و2004حول مواضيع مرتبطة بالحكم الصالح وتمكين النوع والمعرفة ،هاته التقارير أكدت على أن العالم العربي يعاني من نقص تمكين النوع ونقص المعرفة ونقص في الحكم الصالح ،وقد استثمرت العديد من البحوث الميدانية في هذا الشأن وأعطتنا العديد من الأرقام والدلالات على تخلفنا وتأخرنا في مجالات التنمية الإنسانية وفق منهج مقارن يقارن بين بلدان العالم التي راكمت تجارب تنموية جعلت مؤشراتها التنموية ترتفع ،وكما أكد تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2002 إلى ضرورة أن تعمل البلدان العربية على إعادة تأسيس المجتمعات العربية على الاحترام القاطع للحقوق والحريات الأساسية باعتبارها حجر الزاوية في البلدان العربية وذلك عبر:
– تمكين المرأة العربية عبر إتاحة جميع الفرص الممكنة في بناء القدرات البشرية للبنات والنساء على قدم المساواة مع اشقائهن من الذكور.
– تكريس اكتساب المعرفة وتوظيفها في بناء القدرات البشرية في جميع صفوف النشاط البشري وصولا إلى تحقيق مؤشرات الرفاه الإنساني في المنطقة.
وبوصف تقارير التنمية الانسانية العربية أدوات لقياس تقدم الإنسانية وبدء العمل من أجل الغير فهي تثري البيانات والتحليلات الواردة ،وقد ساعدت هاته التقارير في التعبير عن التصورات والأولويات في المنطقة وقد صدرت ثمانية تقارير حول التنمية الإنسانية وهي :
– تقريرسنة 2002 حول التنمية الإنسانية في العالم العربي بعنوان خلق فرص للأجيال القادمة
– تقرير سنة 2003 حول المعرفة بعنوان نحو إقامة مجتمع المعرفة
– تقرير سنة 2004 بعنوان نحو الحرية والحكم الصالح
– تقرير سنة 2005 نحو نهوض المرأة في الوطن العربي
– تقريرسنة 2009 تحديات أمن الإنسان في البلدان العربية
– تقرير سنة 2011 بعنوان الشباب وآفاق التنمية في واقع متغير
– تقرير سنة 2019 بعنوان المواطنة الشاملة في البلدان العربية
وقد أكدت جل هاته التقارير أن قصور التنمية الإنسانية في العالم العربي يشكل عائقا أمام تحديات مواجهة العولمة ،وبأن بناء التنمية الإنسانية قد أصبح ضرورة بقاء في عصر العولمة وان التشخيص الدقيق للمشكلة هو جزء من حلها .
مما سبق نستتج أن تقارير التنمية الانسانية العربية هي بمثابة علم اجتماعي ناقد كما أكد رئيس الفريق الرئاسي الدكتور نادر الفرجاني لكونها تحمل في طياتها ثقافة أكاديمية وطلك عبر استخدامها لمناهج ومؤشرات إجرائية مهمة ومعاصرة ،وإذا كانت هاته التقارير قد حققت تراكمات بالنسبة للبحث العلمي ،فإن مسألة الالتزام العلمي والصريح أي الحس النقدي لدى الباحث الأكاديمي يجب أن يكون حاضرا حيث يجب طرح وتقديم القوة الاقتراحية التي تبقى أنجع الحلول لخلق نقاش عمومي للحوار والتفكير الإيجابي من أجل حل مشاكلنا وقضايانا المعقدة.
التنمية حرية في نظر اماتياسن :
كتاب “التنمية حرية” الذي صدر عن عالم المعرفة العدد 303 مايو 2004، هو كتاب للمفكر الاقتصادي الهندي أمارتيا صن. وقام بترجمة هذا الكتاب المترجم شوقي جلال.
هذا الكتاب الغني بالأطروحات الفكرية، يعتبر الكتاب الأول في تاريخ الفكر الإنساني الذي جمع في أطروحته بين التنمية والحرية. هاته الأطروحة التي حاز بها المؤلف على جائزة نوبل للاقتصاد سنة 1998.
وقبل الدخول في تفاصيل الكتاب وأفكاره، لا بد من إعطاء نظرة عن المؤلف لغاية أساسية، هو إن هذا الكتاب حصيلة لتجارب أكاديمية وفكرية ميزت المفكر العالمي أمارتيا صن، العالم في الرياضيات والشاعر البنغالي والمفكر الاقتصادي، وهو أول هندي وأول آسيوي حصل على جائزة نوبل للسلام في الاقتصاد، مفكر يتجنب تقديم المشورة للحكومات، مفضلا ان يعرض آراءه على الملأ للمناقشة، وقد أكد في مجلة التمويل والتنمية، سبتمبر 2004 إني أجب المناقشة والجدل أكثر من توزيع المشورة على ذوي الحظوة، ولكني أظن أيضا أن التغيير الاجتماعي يكون أفضل إذا قام على المناقشات (2) بالإضافة إلى حصوله على جائزة نوبل في الاقتصاد، فهو أستاذ قام بالتدريس في أكثر الجامعات حظوة (كمبردج، أوكسفورد، لندن…) للعلوم الاقتصادية، وهو رئيس لجمعية الاقتصاد القياسي بجامعة هارفارد. يصعب الحديث بعجالة عن تجاوز تجاربه كلها، بالنظر إلى عنائها وتعددها، لكن كتاباته وأطروحاته وأفكاره ومقالاته، نابعة من مختلف هاته التجارب وهذا الكتاب الذي يعد أول كتاب يقارب التنمية والحرية، يمثل إحدى الرؤى الإبداعية بامتياز للعالم الثالث إزاء قضية الساسة ولاقتصاديين. كما جاء على لسانه وكما أكد كذلك أن هذا الكتاب هو حصاد تجربة جذورها وامتدادها في العالم الثالث، بلاد الأطراف، مع تفاعل خصب إبداعي بفكر علوم حضارة العصر في بلدان المركز(3) ويتضمن الكتاب بالإضافة إلى المدخل الذي عنونه باسم التنمية حرية اثنى عشر فصلا، بداها (4) بالتعريف بمقاربات التنمية ووسائلها وغاياتها (الفصل الثاني) والحرية وأس العدالة (الفصل الثالث) والفقر كحرمان من القدرة، والأسواق والفرصة الاجتماعية (الفصل الرابع والخامس) بالإضافة إلى أهمية الديمقراطية (الفصل السادس) والمجاعات والأزمات الأخرى وفعالية المرأة والتغيير الاجتماعي (الفصل السابع والثامن) والسكان والغذاء والحرية (الفصل التاسع) وختم المفكر أطروحاته بأطروحة الاختيار الاجتماعي والسلوك الفردي وأطروحة الحرية الفردية التزام اجتماعي (الفصلين 11-12).
بالإضافة إلى هوامش متنوعة يصعب مناقشة أفكار وأطروحات جميع فصول الكتاب بالنظر إلى تشعبها وغناؤها، لذا سوف أحاول أن أبرز أهمها ولو بشكل عام على الأقل إعطاء صورة مقتضبة عامة لكتاب.
تجمع أفكار هذا الكتاب بين ثلاث أطروحات ناقش بواسطتها المفكر قضاياه التي حددها في فصول هذا الكتاب.
الأطروحة الأولى: تؤكد أن الحرية السياسية جزء من الحرية الإنسانية بصفة عامة وأن ممارسة الحقوق المدنية والسياسية لجزء هام في الحياة الجيدة للأفراد ككائنات اجتماعية، إذ المشاركة السياسية والاجتماعية قيمة جوهرية في رفاهية الإنسانية.
الأطروحة الثانية: تؤكد أن الديمقراطية قيمة فعالية في تحسين مستوى الإنصات الذي يجعل الناس في تعبيرهم وتدعيمهم لمتطلباتهم بالاعتبار السياسي ومن ضمنها متطلبات الاقتصاد.
الأطروحة الثالثة: إن ممارسة الديمقراطية تعطي للمواطنين فرصة لنتعارف وتساعد الفرد على تشكيل قيمه وأولوياته، ففكرة الحاجات الاقتصادية تتطلب هي الأخرى المناقشة الشعبية وتبادل المعلومات والآراء والتحليلات. هاته الأطروحات الثلاث تعتبر بمثابة عنها أطروحات ثانوية ناقش بها المفكر قضاياه المختلفة، حيث مثلا في تحليله للمجاعة والأزمات الأخرى، أكد على أنه لم تقع المجاعة في أي بلد تجري فيه الانتخابات بشكل منتظم، ولديه أحزاب معارضة، تعتبر بصراحة عن انتقاداتها، ويسمح بصحافة حرة تكتب بحرية ومن دون أي رقابة.
وفي حديثه عن الدور الوقائي للديمقراطية أكد على أن الحركات القومية مناهضة للاستعمار ولكنها لم تكن دائما متجهة وبإصرار نحو الديمقراطية.
وفي حديثه عن أهمية الديمقراطية على أهمية عملية تطوير وتعزيز نظام ديمقراطي تعددي كعنصر جوهري في عملية التنمية. وتمثل أهمية الديمقراطية في طبيعتها الجوهرية وفي إسهاماتها الأداتية وفي دورها البنائي في ابتكار قيم ومعايير. كما أن الديمقراطية يمكن أن يكون نطاقها أكثر شمولا وذلك بحكم صلتها بالموضوع، ودورها الوقائي وأهميتها البنائية.
بالإضافة إلى إشارته المتميزة إلى علاقة الديمقراطية بالنمو الإقتصادي، حيث تساءل هل نظام الحكم لاستبدادي مثمر فعلا بالدرجة نفسها. وأكد أن الحقوق السياسية والمدنية من ناحية، والحيلولة دون وقوع كوارث كبيرة مثل المجاعات تهيئ فرصة للانتباه بقوة إلى الاحتياجات العامة وإلى المطالبة بنشاط عام ملائم.
حيث أكد في تحليله للأهمية الأداتية للحرية السياسية على أنه لم تقع المجاعة أبدا في بلد تجري فيه الانتخابات بشكل منتظم. وفي حديثه عن سياسات صندوق النقد الدولي أكد على أن غياب الانفتاح والصراحة ووجود روابط غير أخلاقية في قطاع الأعمال، هي سبب فشل هاته السياسات.
وفي مجمل أطروحاته أكد على أن تحدي التنمية يتضمن كلا من القضاء على الحرمان المزمن والحرمان الناجم عن فقر مفاجئ قاس.

لكن الأطروحة النظرية الحرية تعد من أهم الركائز التي أكدها المفكر الهندي اماتياسن واعتمدتها مؤسسة كاوفمان في تقاريرها المتعلقة بالأنظمة السياسية .
حيث أن الغاية الأساسية للتنمية الإنسانية كما أكد على ان الهدف المتوخى من الحرية هو القضاء على انعدام الحريات ،والحرية كمفهوم قديم تطور مع تطــــــــــور الأفكار السياسية ،ويمــــــــــكن تعريفها على جميع المستويات :
على المستوى السياسي :
الحرية السياسية هي مختلف الفرص والقدرات ،فالفرص هي إعطاء التاس الحرية لكي يقرروا مصير من يحكمهم والمبادئ التي يحكمهم بها ،والقدرات هي اعطاء القدرة للناس لكي يراقبوا السلطات وإعطائهم حرية التعبير وخلق صحافة حرة.
على المستوى الاقتصادي :
هي مختلف الطرق التي توفر للناس توزيع عادل للثروة وبالتالي إعطاءالفرد الحرية ليعيش حياة أفضل .
على المستوى الاجتماعي :
هي مختلف الأساليب التي يضعها المجتمع لخلق تعليم قوي ورعاية صحية جيدة ،إضافة إلى ضمان الشفافية والأمن الاجتماعي المتمثل في مختلف التفاعلات الاجتماعية بين الأفراد ،اضافة الى حماية الناس بواسطة شبكات للأمن الاجتماعي .
إن التنمية وحقوق الإنسان يدعم كل واحد منهما الاخر وعلى العكس من ذلك الفقر والحرمان والإقصاء والتهميش والقمع عوامل تؤدي الى انكماش الحرية ولقياس الحرية ساهم اماتياسن في صياغة جملة من المؤشرات ،كمؤشر الثمثيل والمساءلة الذي يعتمد جملة من النقط من بينها :
– جوانب العملية السياسية
– الحريات السياسية
– الحقوق السياسية
– استقلال الاعلام
– قدرة المواطنين في اختيار الحكومات
– مراقبة أصل السلطة ومسائلتهم
ومؤشر فعالية الحكومة الذي يعتمد على نوعية الموظفين المدنيين واستقلال الادارة المدنية عن الظغوط السياسية ومصداقية الحكومة في التزاماتها السياسية .
ومؤشر الاستقرار السياسي الذي يعتمد على مدى الشعولر بإمكانية تفويض الاستقرار ومدى إسقاط الحكومة بطرق شرعية .
ومؤشر حكم القانون الذي يعتمد على مدى قياس فئة حكم القانون وذلك بقياس شعور المواطنين بالقواعد القانونية التي يطبق ومدى ثقتهم بها هذا من جهة ومن جهة أخرى أي ما يلاحظه الناس وما يشعرون به من فساد إضافة الى دراسته لمدى شيوع الجريمة وكفاءة القضاة والاجراءات المتوقعة .
في الأخير يمكن القول إن اطروحات وكتب المفكر الاقتصادي والفيلسوف الهندي اماتياسن تطرح حلولا لمختلف القضايا السياسية والتنموية لعالمنا المعولم ،حيث أن قراءتها ومناقشتها من شأنها ان تكون احى المداخل الاساسية لتحقيق التنمية والديمقراطية .
لائحة المراجع والهوامش :
1- للمزيد من المعلومات انظر مجلة التمويل والتنمية سبتمبر 2004. ص 5. تعريف عن المفكر الاقتصادي أمارتيا صن انظر موقعها الإلكتروني http://www.Img.org.Mandid.
2- نفس العدد السابق. ص 4.
2- انظر تقارير التنمية الانسانية العربية التي يصدرها برنامج الامم المتحدة للانماء الاقتصادي والاجتماعي .لسنوات 2002و2003و2004 بالموقع الالكتروني التالي org .www..pnud
3- انظر كتاب التنمية حرية من تاليف المفكر الهندي اماتياسن ،ترجمة شوقي جلال سلسلة عالم المعرفة مايو 2004.


شارك بتعليقك

شاهد أيضا
اشتراك في القائمة البريدية
   

إشترك بالقائمة البريدية لكواليس اليوم لتتوصل بكل الجديد عبر البريد الإلكتروني