العقوبات البديلة كمدخل لتحديث العدالة الجنائية بالمغرب: كلمة قوية لرئيس النيابة العامة في لقاء وطني رفيع

 

في خطوة تعكس التوجه الإصلاحي العميق الذي يسير عليه المغرب في مجال العدالة الجنائية، ألقى السيد الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيابة العامة، كلمة وازنة خلال اللقاء الوطني التواصلي المنظم من طرف المجلس الأعلى للسلطة القضائية، حول القانون 43.22 المتعلق بالعقوبات البديلة، وذلك يوم الأربعاء 30 أبريل 2025 بملحقة المجلس بالرباط.

في مستهل كلمته، نوّه رئيس النيابة العامة بالروح التشاركية لهذا اللقاء، معبّرًا عن اعتزازه بالمشاركة في محطة وصفها بـ”المفصلية”، تُسهم في وضع لبنات تنزيل قانوني ومؤسساتي هادف، يعكس الدينامية الجديدة التي يعرفها نظام العدالة في المملكة، والمتمثلة في السعي إلى تجاوز منطق العقوبة السالبة للحرية واعتماد مقاربات أكثر نجاعة وإنسانية.

وأكد المتحدث على أن هذا القانون لا يأتي بمعزل عن السياق الوطني الموسوم بتطبيق توصيات ميثاق إصلاح العدالة، بل يعبر عن تحوّل جوهري في فلسفة العقوبة نفسها، حيث لم تعد السجون الوجهة الحتمية لكل من خالف القانون، بل صار الإدماج وإعادة التأهيل أحد مرتكزات العقوبة.

رئيس النيابة العامة تطرق بإسهاب إلى التحديات الكبرى التي تطرحها العقوبات السالبة للحرية، مشيرًا إلى أن العالم بات يشهد ارتفاعًا مستمرًا في أعداد السجناء، دون وجود مؤشرات تؤكد أن ذلك يحد من الجريمة. وفي هذا السياق، شدد على أهمية تبني عقوبات بديلة تساهم في تقليص الاكتظاظ داخل المؤسسات السجنية، وتمنح المخالف فرصة لتصحيح مساره داخل المجتمع، لا على الهامش.

القانون الجديد، كما أوضح، يوفر إطارًا قانونيًا متكاملًا لمثل هذه العقوبات، التي حددها في أربع بدائل أساسية: العمل لأجل المنفعة العامة، والمراقبة الإلكترونية، والتدابير الرقابية والعلاجية، والغرامة اليومية. كما أبرز الصلاحيات الجديدة الممنوحة للنيابة العامة، سواء في طلب استبدال العقوبة أو في مواكبة تنفيذها أمام قاضي تطبيق العقوبات.

وفي هذا الإطار، شدد على أن قضاة النيابة العامة مدعوون إلى التعامل الجاد مع هذه المهام الجديدة، بما يعكس حسهم المهني ومسؤوليتهم الدستورية في حماية الحقوق والحريات، مؤكداً أن رئاسة النيابة العامة ستسهر على تتبع أوجه التنزيل العملي لهذا الورش الطموح.

الكلمة لم تخلُ من بعد استراتيجي، حيث اعتبر رئيس النيابة العامة أن هذا القانون لا يجب أن يُقرأ فقط من زاوية تخفيف العقوبة، بل بوصفه وسيلة لتحقيق عدالة أكثر نجاعة وإنصافاً، تمنع إعادة التكرار، وتُعيد للمخالف إنسانيته، وتُقلص من كلفة الاعتقال مادياً وبشرياً.

وفي الختام، عبّر عن أمله في أن يخرج هذا اللقاء بتوصيات عملية، ترسخ العمل الجماعي بين كل المتدخلين، وتسهم في ضمان تنفيذ محكم لمضامين القانون الجديد، بما يعزز ثقة المواطن في العدالة، ويكرّس الأمن القانوني بالمملكة.

 

 

 

 

 


شارك بتعليقك

شاهد أيضا
اشتراك في القائمة البريدية
   

إشترك بالقائمة البريدية لكواليس اليوم لتتوصل بكل الجديد عبر البريد الإلكتروني