بقلم :عبد الحكيم العياط
في السنوات الأخيرة، أصبحت مقاومة المضادات الحيوية واحدة من أكبر التحديات الصحية العالمية، حيث يعتبرها الخبراء “قنبلة موقوتة” قد تؤدي إلى عواقب وخيمة على الصحة العامة. هذه الظاهرة ليست حكرًا على الدول المتقدمة فقط، بل تتفاقم أيضًا في دول مثل بلدنا المغرب، حيث يؤدي الاستخدام المفرط وغير الرشيد للمضادات الحيوية إلى زيادة معدلات المقاومة.
ما هي مقاومة المضادات الحيوية؟
مقاومة المضادات الحيوية هي قدرة البكتيريا على تطوير آليات دفاعية ضد الأدوية المصممة للقضاء عليها. يؤدي هذا إلى فشل العلاجات الطبية التقليدية وزيادة مدة وشدة الأمراض، مما قد يؤدي إلى ارتفاع معدلات الوفيات. وحسب منظمة الصحة العالمية في تقرير صدر سنة 2020، تُعد مقاومة المضادات الحيوية واحدة من أكبر المخاطر التي تهدد الصحة العالمية والأمن الغذائي والتنمية الاقتصادية.
في المغرب، يشهد استخدام المضادات الحيوية إفراطًا ملحوظًا. سواء من خلال الوصفات الطبية غير المبررة، أو من خلال استهلاك المضادات الحيوية دون استشارة طبية، وهو أمر شائع بسبب توفر هذه الأدوية في الصيدليات بدون وصفة طبية ،ضعف التوعية الصحية حول مخاطر الاستهلاك العشوائي للأدوية يسهم في تفاقم المشكلة، ووفقًا لمصادر طبية محلية، يتم استخدام المضادات الحيوية في المغرب حتى لعلاج أمراض فيروسية، مثل الزكام، حيث لا يكون لهذه الأدوية أي تأثير، مما يزيد من فرص تطور مقاومة البكتيريا.
العواقب الصحية والاقتصادية
ارتفاع معدلات مقاومة المضادات الحيوية في المغرب قد يؤدي إلى عواقب صحية خطيرة. الأمراض الشائعة مثل التهابات الجهاز التنفسي والتهابات المسالك البولية قد تصبح أكثر صعوبة في العلاج. وقد أشار مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها في دراسة سنة 2021 إلى أن العمليات الجراحية الروتينية قد تصبح محفوفة بالمخاطر بسبب احتمال حدوث التهابات لا تستجيب للمضادات الحيوية التقليدية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن العواقب الاقتصادية لهذه الظاهرة لا تقل خطورة. فقد أورد تقرير للبنك الدولي أن مقاومة المضادات الحيوية قد تؤدي إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة تصل إلى 3.8% بحلول عام 2050. في المغرب، قد تكون التكلفة أكبر بكثير بسبب محدودية الموارد الصحية.
دور وزارة الصحة والحماية الاجتماعية
من أجل مواجهة هذه الأزمة المحتملة، يجب أن تتخذ وزارة الصحة والحماية الاجتماعية إجراءات حازمة. ومن بين هذه الإجراءات، تعزيز الرقابة على توزيع المضادات الحيوية في الصيدليات، بحيث لا يتم صرفها إلا بوصفة طبية موثوقة ووهو ماتؤكد عليه منظمة الصحة الدولية منذ سنة 2018.
بالإضافة إلى ذلك، يحتاج المغرب إلى وضع استراتيجية وطنية شاملة، تشمل تحسين النظم الرقابية عبر إنشاء نظام رقابي صارم على وصف وصرف المضادات الحيوية، كذلك يجب تعزيز التوعية عبر إطلاق برامج تثقيفية تستهدف المجتمع والأطباء والصيادلة. ثم تطوير البروتوكولات العلاجية من خلال وضع بروتوكولات علاجية موحدة تحد من وصف المضادات الحيوية دون داعٍ. وأخيرا يجب تشجيع البحث والتطوير عبرالاستثمار في البحث العلمي لتطوير مضادات حيوية جديدة.
وفي الأخير فإن مقاومة المضادات الحيوية هي خطر صحي يهدد مستقبل الرعاية الصحية في المغرب. إذا لم يتم اتخاذ تدابير عاجلة للتعامل مع هذا التحدي، فقد نواجه مستقبلًا تصبح فيه الأمراض البسيطة مميتة. يتعين على الحكومة ووزارة الصحة والحماية الاجتماعية اتخاذ إجراءات فورية للتصدي لهذه الظاهرة، من خلال التشريعات، والتوعية، ودعم البحث العلمي.
شاهد أيضا
اشتراك في القائمة البريدية

إشترك بالقائمة البريدية لكواليس اليوم لتتوصل بكل الجديد عبر البريد الإلكتروني